البرتغال هي أقدم إمبراطورية استعمارية عالمية، ولذلك سيكون من القصور تحليل الظواهر الإعلامية الحاصلة فيها حاليا، دون الأخذ بعين الاعتبار الإرث التاريخي البرتغالي فيما يتعلق باستعمارها دولا وأقاليم في إفريقيا، وآسيا وأمريكا الجنوبية.

إن الحالة الإعلامية الجديدة الدائرة في البرتغال، والتي تستدعي التأمل من قبلنا كمهتمين بمدى ارتباط الإعلام بالهوية، هي التعاطي الإعلامي البرتغالي مع ترشيح ثلاث سيدات ذوات أصول إفريقية لعضوات في البرلمان البرتغالي، حديثا.

صنع ترشيح سيدات برتغاليات من أصول إفريقية -كأول شخصيات من أصول إفريقية تصل للبرلمان البرتغالي-، نقطة تحول في الفضاء العام البرتغالي المعاصر، ولم يتعامل الإعلام البرتغالي مع المشهد بالشكل المأمول.

وعلى الرغم من أن البرتغال دولة تحاول دائما صناعة صورة ذهنية حول نفسها كأكثر دول أوروبا تنوعا عرقيا، وأكثر الدول تعايشا مع الأعراق المختلفة، إلا أن وصول السيدات اللواتي من أصول إفريقية لسدة البرلمان، خلق نوعا من الجدل، وهذا الجدل كشف عن حالة من العنصرية والإنكار من قبل الإعلام البرتغالي تجاه البرتغاليين والبرتغاليات من الأصول الإفريقية. وقد صنعت إحدى السياسيات المعينات حديثا التي تنحدر من أصول إفريقية، وهي السيدة «جواسين كاتار موريرا»، إضافة مختلفة زادت من الأمر تعقيدا، من حيث إنها ليست فقط امرأة، وليست فقط امرأة سوداء، بل هي تعاني أيضا التأتأة أو التلعثم، ونوعا من اضطرابات الكلام.

كل ذلك يسلّط الضوء على التمثيل والتقبل الإعلامي في البرتغال للنساء، وللسود، وكذلك لمن يعانون الإعاقة أو شكلا من أشكال الاضطرابات، وهذا بمثابة اختبار يكشف مدى تنوع الإعلام البرتغالي، وتقبله للآخر.

إن المهتمين بمدى ارتباط الصناعة الإعلامية بالهوية، والحياة اليومية لأفراد المجتمع، ومن يؤمنون بدور الوسائل الإعلامية لتعزيز التعايش، يدركون أن هذه الحالة البرتغالية ليست حالة استثنائية، بل هي إشكالية عالمية، ومتكررة، واردة ومألوفة.

هذه الإشكالية البرتغالية، التي شوهدت مثيلاتها عالميا، تعكس العنصرية المؤسساتية في الجانب الإعلامي، وضعف التنوع من حيث العرق والنوع الاجتماعي بين صانعي المحتوى، وبالتالي فهي تتطلب تدخلا تشريعيا يسهم ليس فقط في تلافي المشكلة المذكورة، ولكن في تطبيق إصلاحات على النظام الإعلامي البرتغالي مؤسساتيا، تحول دون تكرار هذه الممارسات نفسها بالحدة ذاتها والوضوح ذاته مستقبلا.