قد ينجح الإنسان في الحياة، ويدفعه ذلك إلى كتابة سيرته الشخصية بهدف تخليد الذكرى ونقل الخبرة، لذا نجد من كتب عن سيرته الوظيفية وأسرار نجاحه، وهناك من كتب عن سيرته الحياتية والاجتماعية فقط، وهناك من كتب فصولا من سيرته الوظيفية والاجتماعية، وهناك من كتب سيرته الأدبية، ومن كتب عن سيرته السياسية، ولكن العظماء لا يكتبون سيرتهم بل سيرتهم تُكتب لهم، لأن تاريخهم كتاب مفتوح يمكن قراءته والاطلاع على ما احتوى عليه، والأمير سعود الفيصل رحمه الله من هؤلاء العظماء القلائل، الذين ليس لديهم الوقت لأن يكتبوا تاريخهم الشخصي، فهم مشغولون بما هو أهم من ذلك.

بيد أن هذا التنوع في صنوف التأليف والكتابة في السيرة لا يلزم أن تكون مطالعته ذات أهمية، فهناك من يمكن قراءة سيرته بشكل سريع ودون تعمق، وهناك من سيرته عبارة عن مخلفات من الدماء والقتل والتدمير، وهناك من سيرته معبأة وممتلئة بالمبادئ والقيم والأخلاق والنجاح، هذا في جانب الكتابة والتأليف، أما جانب المشاهدات السياسية والمقابلات التلفزيونية، فقد تتعدد الشخصيات المستضافة في قنوات وبرامج مختلفة لكن القليل من تلك الشخصيات الذي يحظى بالمتابعة والتفاعل، والسبب يرجع إلى أمرين: الأول: محدودية التاريخ السياسي لتلك الشخصية، الثاني: محدودية التأثير السياسي، والفرق بينهما في المدة الزمنية والمواقف السياسية، لذا كان برنامج (سعود) الذي عرض أخيرا على شاشة mbc فرصة لمشاهدة ومعرفة أسرار نجاح تلك الشخصية السياسية الفذة.

لا شيء يجعل الإنسان أكثر تميزا من الهدوء في كل وقت ومع كل موقف، لأن الاحتفاظ بالهدوء يعني الاحتفاظ بالمكانة، فهناك مواقف لا يمكن للإنسان تغييرها لكن بإمكانه أن يعلن موقفه إزاءها، وهي مسؤولية السياسي المحنك، والتي تبلورت في شخصية الأمير سعود رحمه الله، حيث كان رجل مواقف في المحافل والمناسبات والمؤتمرات والاجتماعات، يصدع بالحق ويعلن موقف دولته من ذلك، لأنه يمثل سياسة دولة لا سياسة أشخاص.

شخصية الأمير سعود الفيصل رحمه الله، فرصة لا تعوض لإعداد الدراسات الأكاديمية حولها، وتدريسها لطلاب قسم العلوم السياسية، حيث اشتملت على مبادئ وقيم وأخلاقيات السياسي النزيه، وكلمات بلورت سياسة الدولة في المحافل والمناسبات والتصريحات، وفيها أهم مقومات النجاح السياسي: الصبر الجميل، والكفاح الدائم، والإيمان الراسخ برسالته.

رحم الله الأمير سعود.