«الظلم ظلمات يوم القيامة» ومهما يكن فإن الحياة لا تخلو من الظلم شئنا أم أبينا. عند وقوع الظلم على الإنسان فإنه يصطدم بأمور سلبية كثيرة، ومعارك خارجية وداخلية - داخل ذات المظلوم- غير أننا هنا سنطل على نافذة غريبة ومختلفة تماما، وهي النافذة الإيجابية من الظلم، وقانا الله وإياكم شره.

أول هذه الأمور، هي إنابة المظلوم إلى ربه والتضرع له بأن يزيل عنه كربته. وثانيها أنه يتعرف بها على من قد يتعاطف معه ويشعر به ويواسيه، وقد يسعى -نصير المظلوم- لرفع المظلمة عنه وفي المقابل، ينكشف للمظلوم أصدقاء «السعة» الذين ينسلّون عنه وقت الأزمة، بل وقد يزيد بعضهم المجروح جرحا حين يُغلظ على المظلوم القول ويعنفه، غير أن الأمرّ والأنكى، حين يكتشف أن صديق الأمس مسرور بمظلمة صديقه اليوم وقد قال الأول:

جزى الله الشدائد كل خير** عرفت بها عدوي من صديقي

ومن المواقف الإيجابية أيضا، معرفة قيمة العدل ومتعة الحياة العادلة سيّما في حال انفراج الأزمة وزوال الغمة، كما هو الحال عند زوال المرض أو الفاقة والأحزان وغيرها من المنغصات التي لولاها لما عرف الإنسان قيمة ضدها، وقد صدق القائل و«بضدها تتميز الأشياء»، وفي ذات المعنى يقول دوقلة المنبجي ضِدّانِ «لمّا اسْتجْمِعا حَسُنا وَالضِدُ يُظهِر حُسنَه الضِدُّ».

هل كان أحد سيعلم قيمة الصحة لو خلت الحياة من الأمراض، هل كان أحد سيجد متعة السعادة لولا مرارة الشقاء والكدر وغيرها من الأضداد، كذلك هو الحال مع الظلم فلولاه لما عرف الإنسان قيمة العدل والقسط والإنصاف.

من تلك الإيجابيات أن المظلوم قد يرى انعكاسات الظلم على الظالم والتي قد تشفي غليله من ظالمه، غير أن الحدث الأعظم المفرح للمظلوم حين ينصفه قاض عادل في محاكم الدنيا ليوقف المظلمة وينتصر للمظلوم.

والقصص في هذا كثيرة جداً إلا أنني أستعرض قصة أحدهم باختصار، وهي القصة التي ألهمتني فكرة المقال. يقول صاحبها إنه لم يعرف ما للظلم من إيجابيات إلا عندما أصدر قاضي المحكمة حكما ينصفه على من نصب له العداء، والذي ظل يلاحقه بالقضية تلو الأخرى طيلة 14 سنة أصالة عن نفسه ووكالة عن غيره في محاكم مختلفة، حتى جاء قاض موفق، ودرس ملف المدعي بالكامل والذي وظّف أكثر من سبعة محامين على فترات متقطعة وقضايا مختلفة، ضد المدعى عليه -المغلوب على أمره- ليحكم القاضي لصالح المدعى عليه، وتصادق محكمة الاستئناف على الحكم ليصبح حكما قطعيا.

يقول محدثي لم تر حياتي أجمل من ذلك اليوم الذي نطق فيه القاضي بالحكم، حينها انقلب شقائي سعادة، وتبدلت سعادة ظالمي تعاسة، بينما كان يتلذذ بتسحيبي في المحاكم والشُرط. وقتها، برقت أسارير كل أجزاء جسدي، وبدأت أشتَمّ معنى مختلفاً للحياة، وأتلذذ بمتعة العدالة بعد زوال المظلمة التي لم أتصور انفراجها يوما ما..

ولرب نازلة يضيق لها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج

يختم محدثي: تصورت وقع الكارثة التي نزلت بظالمي، فبعثت له برسالة من كلمتين لا غير «كيف الحال»، وإلى اليوم لم يرد عليً..

صديقي القارئ النبيل، تجنب الظلم قبل أن تردك رسالة نصية «كيف الحال».