رغم اتساع دائرة حياة الناس وتطورها في جميع المجالات والخدمات، إلا أن تعقيداتها ومشكلاتها تتسع بمقدار مواكبتها ونموها في معادلة دقيقة ومتزنة. فكلما زادت الأنشطة والتعاملات البشرية والمخترعات والتكنولوجيا، زاد معها الجهد والعناء والحاجة إلى معالجة الآثار الناتجة عنها.

وبمثل هذا الاتساع تطورت رغبات الإنسان وهمومه ومشكلاته الاجتماعية والنفسية، ويعاني الوطن العربي من ظاهرة الطلاق، وازدياد معدلاته، في غياب تام عن الاعتراف بالمشكلة وأرقامها وأسبابها ونتائجها وآثارها الكارثية على البُنية التحتية الاجتماعية للمجتمع، وما خلّفته من قيم التباعد والتشاحن الاجتماعي، والآثار النفسية على الأبناء والطفولة، وعلى هدر المال والاقتصاد، وازدحام محاكم العدل بالقضايا الحقوقية، وتأثير كل ذلك على ضياع جهود التنمية الوطنية.

نقلت «الوطن» في عددها 7018 بتاريخ 17 ديسمبر2019، عن وزارة العدل أن عدد عقود النكاح لربيع الأول 1441 ما يزيد على 11 ألف عقد بزيادة قدرها 20 % من عقود النكاح الصادرة في الشهر نفسه من العام الماضي. ووصل عدد صكوك الطلاق في الشهر نفسه 4797 صكا، وتراوح عدد الصكوك الصادرة يوميا في جميع مناطق المملكة بين 143 و320 صكا. ومثّل السعوديون من حالات الطلاق للشهر ذاته ما يقارب 95%.

وهذه الأرقام المخيفة والمرعبة سبقها «شهر صفر» في عدد حالات طلاق 5192، ثم «محرم» بعدد 5112 صكا، وهذه الأرقام لا تندرج تحتها حالات تعسر الطلاق والخوف من إنهائه والطلاق العاطفي والتباعدي، وهي تدعونا إلى إعادة التفكير بطريقة مختلفة، للنظر في هذه الظاهرة وتداعياتها وآثارها.

فالمشكلة تتفاقم، والحل ليس في محاولة الإصلاح التي يقوم بها أقرباء الزوجين أو المحيطون بهما، أو جهود مراكز التنمية الأسرية التي تُعالج قشور المشكلة في غالب الأحيان لا في مضمونها، ويتم النجاح في تخدير طلب الانفصال لفترة من الزمن، مع المحاولات المتكررة في رأب الصدع من أجل العلاج الذي لن يكتمل شفاؤه إلا بتضحية أحد الطرفين على حساب مصلحته وحقوقه.

والحل المقترح يكمن في اعتبار هذه الظاهرة الاجتماعية وباء فتّاك، يحتاج لوزارة متخصصة للتنمية الأسرية تعمل على أسس عِلمية وعَصرية وحُقوقية، لترميم الآثار السابقة للطلاق وتداعياته، وعلى الوقاية من الوقوع في مزيد من حالاته، وتعمل على بناء أسس جديدة، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، لتأهيل الشباب والمقبلين على الزواج في كيفية بناء الذات والأسرة، ومهارات وضوابط الاختيار والمواءمة بين طرفي الزواج والحياة، والشراكة القائمة على المودة والرحمة بينهما.

ولا سبيل للوصول إلى هذه الغاية المنشودة إلا خلال وضع توصيات وآليات عمل وقوانين، وفحوص للراغبين في الزواج، تفرضها وتشرف على تطبيقها وزارة التنمية الأسرية المرتقبة، عبر برامجها التي تنفذها المراكز الأسرية المُؤهلة فنيّا وعَمليّا للمقبلين على الزواج، وتُعالج فيها أخطاء الواقع، مع مراعاة متطلبات العصر من الحقوق والواجبات، بعيدا عن القيود والموروثات التي تجعل من جيل الشباب يسيرون دُمى وراء رغبات أولياء الأمور، أو أمام شهواتهم في الفرحة بتجربة الزواج، ثم ما يلبث أن يكون الطلاق هو الحل السريع، للهرب من واقع المسؤوليات بعد الفشل الكبير من أحدهما أو كليهما في الشراكة الزوجية.

مشكلة الطلاق تتفاقم، والحل ليس في محاولة الإصلاح، لأنها تعالج قشور المشكلة