الكلام عن (التجديد) في مسائل العلوم الشرعية، ورغم أنه مكرر إلا أن الحاجة إليه من الأمور المتأكدة، لا سيما في هذه الأيام، التي تصدَّر فيه من تصدر. وعن أهمية الحاجة إلى ذلك، أكد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، في كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، الأسبوع الماضي، أن المملكة العربية السعودية جعلت من أولوياتها تجديد الخطاب الديني، مضيفا أن هذا التجديد ليس ببدع من القول أو الفعل، وأنه ليس كما يفهمه من يفهمه من المنغلقين، وإنما هو أعمال للشرع وتدبر للخطاب، وتجديد لفهمه.

القضايا الرئيسية التي استوفاها المؤتمر حساسة للغاية، خصوصا المتعلقة بتجديد العلوم الإسلامية، وآليات التجديد، وقضايا المرأة والأسرة المختلفة، والأمن المجتمعي، وواجب الدولة نحو حماية أخلاقيات المجتمع. وكان صريحا ودقيقا كعادته فضيلة شيخ الأزهر الشريف وإمامه، الدكتور أحمد الطيب، وهو يؤكد على أن الله وضع التجديد الديني شرطا في كل تغيير إلى الأفضل، وأن وضع المسلمين، دون التجدد الديني، سيؤول إلى التدهور السريع، وأن الإسلام ظل مع التجديد قادرا على تحقيق مصالح الناس، وأنه مع الركود والتقليد والتعصُّب بقي مجرَّد تاريخ يُعرض في المتاحف، وأن أحكام الإسلام تنقسم إلى ثوابت لا تتغير ولا تتجدد، وهي الأحكام القطعية الثبوت والدِّلالة، ومعظمها يدخل في باب العقائد والعبادات والأخلاق، وقليل منها يتعلق بنظام الأسرة ومجالات أخرى ضيقة، وهناك الأحكام القابلة للتبدل والتغيير، وهي المختصة بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى، مبشرا بأنه ومن أجل أن القضايا التي هي محل التجديد كثيرة، فقد قرر الأزهر إنشاء مركز دائم باسم مركز الأزهر للتراث والتجديد، يضم من له علاقة بعملية التجديد الذي ينتظره المسلمون وغير المسلمين.

أختم بأن من أهم ما يمكن أن يخلص إليه من يتابع المناداة بأهمية التجديد، أن هذا الأمر الجليل لن يتم دون إنشاء فكر ديني جديد، وتطوير للعقل الديني وفق متطلبات العصر، وتغيير لطرق التفكير، وخروج من الدائرة المغلقة من العلوم الإنسانية والاجتماعية، مع استيعاب التراث في شكل جديد، بدون هدم أو حذف، ولا بد من القناعة الكاملة أن التنوع سنة من سنن الله الكونية، وأن ما كان راجحا قد يصبح مرجوحا، وأن هناك متسعا كبيرا للمتغيرات في غير العبادات. يقول الإمام ابن القيم، رحمه الله: «مَن أفتى الناسَ بمُجرّد المنقول في الكتب، على اختلاف عُرْفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأمكنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم، فقد ضلّ وأضلّ، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية مَن طبّب الناس كلَّهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتاب من كُتُب الطِّب، على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل، أضرُّ ما على أديان الناس وأبدانهم».