لم نعرف السياحة كمصطلح إلا في العقود الماضية، عندما أطلق الأمير خالد الفيصل اللجنة العليا للتنشيط السياحي، وهو مسمى يحمل في داخله إلقاء الضوء على القصور والضعف في قطاع السياحة، فجاءت اللجنة لتنشيط ما هو ضعيف وقاصر، أو لم يكن موجودا في مناطق كثيرة بالمملكة، وقبل ذلك لم تكن تعرف هذه البلاد منذ العصر الجاهلي سوى مصطلحي المصيف والمشتى، حيث كان أهل الحجاز يصيفون بالطائف ويشتون بمكة، ولذلك كان معاوية بن أبي سفيان يقول أنعم الناس حظا مولاي سعيد يشتو بمكة ويصيف بالطائف ويتربع بجدة، وكذلك كان الناس في غرب وجنوب غرب المملكة ينزلون إلى تهامة في الشتاء ويصيفون في السراة، ومع الجهود الكبيرة والمضنية التي قامت بها الهيئات لتنشيط السياحة في مدن عديدة بالمملكة، إلا أن السياحة كصناعة لم تكن واضحة المعالم، محددة الأهداف إلا مع رؤية السعودية 2030 التي سعت إلى تسويق المملكة كوجهة سياحية إقليميا وعالميا من خلال تطوير بنية تحتية متقدمة، وإعداد الأنظمة والتشريعات اللازمة، وبناء القدرات المؤسسية، لتسهم في خلق فرص وظيفية، وزيادة مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد العام للمملكة، كما يعنى بالبعد التراثي الإسلامي والعربي والوطني، من خلال إحيائه والمحافظة عليه والتعريف به وتصنيفه ضمن قائمة المواقع التراثية المعترف بها عالميا. ولا شك أن إنشاء الهيئة العليا للسياحة كان خطوة في الاتجاه الصحيح، واستطاعت أن تغرس في الأذهان وجود السياحة ككيان تنظيمي وتنفيذي على الرغم من أن الرؤية لم تكن واضحة تماما، ولا توجد إستراتيجية دولة لتحقيق ذلك، ونستطيع أن نقول إن السياحة مرت بأربع مراحل مفصلية حتى الآن، الأولى هي إنشاء لجنة التنشيط السياحي من العدم في عسير أولا وتبعتها بقية المدن، والمرحلة الثانية إنشاء الهيئة العامة للسياحة، والثالثة هي دخول السياحة ضمن رؤية السعودية 2030 لتكون ضمن التحول الوطني ببرامجها ومبادراتها، والمرحلة الرابعة هي مرحلة التغيير الجذري في أدائها ومفهومها وبرامجها في عام 2019، 2020، حيث تضمنت الرؤية تطوير مواقع سياحية وفق أعلى المعايير العالمية، وتيسير إصدار التأشيرات للزوار، وتهيئة المواقع التاريخية والتراثية وتطويرها. ومع أن الهيئة العامة للسياحة أسست منذ عشرين عاما فإنها لم تستطع التغلب على كثير من التحديات، مثل قلة تنوع الوجهات والخدمات السياحية والترفيهية والتفاوت في جودتها، ورفع الجاهزية للبنية التحتية السياحية كالمواصلات والفنادق لتواكب احتياجات شرائح السياح المختلفة، ومن التحديات عدم مواكبة قدرات القطاع السياحي للطلب المتزايد على الخدمات السياحية، وعدم ملاءمة البنى التحتية لعدد من مواقع التراث الوطني لاستقبال السائحين، وأخيرا صعوبة وصول السائح الدولي لعدم وجود تأشيرة سياحية رغم البدايات الأولى التي قامت بها لجنة التنشيط السياحي بعسير، عندما رتبت مع وزارة الداخلية والخطوط السعودية لاستقبال سياح لعسير بأفواج كاملة من اليابان وغيرها، ولكنها ظلت جهود منطقة بإمكانات منفردة، وليست رؤية دولة، ولذلك اكتنفتها الصعوبات ولم تستمر. مع مطلع 2019 بدأنا نلمس جهودا واضحة وتغييرات هيكلية في قطاع السياحة، بالتناغم مع وزارة الثقافة وهيئة الترفيه والهيئات الأخرى كالعلا وجدة التاريخية وبقية الإدارات، فارتفع عدد مواقع التراث الوطني القابلة للزيارة من 241 موقعا في 2017 إلى 447 موقعا، كما تقدم ترتيبنا في مؤشر تنافسية السفر والسياحة، وارتفع إجمالي القيمة المضافة في قطاع السياحة من 12,6 مليارا في 2017 إلى 17,5 مليارا، وبدأنا نلمس مبادرات فعلية في حفظ وإعادة تأهيل مواقع التراث وإحياء التقاليد وتنظيم الفعاليات وتسهيل الوصول إليها في فرسان والرايس بالمدينة المنورة، والطائف وعسير والعلا والعقير والباحة وغيرها، متوجة ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة في مرحلتها الأولى وبرنامج ولي العهد لترميم المساجد التاريخية. ما يحسب لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أحمد الخطيب إشراكه القطاع الخاص للرقي بصناعة السياحة منذ ورشة العمل في يوليو الماضي، وإطلاق المنصة الوطنية للرصد السياحي لمراقبة الأنشطة كالإيواء والحركة السياحية، وتطوير المشاريع السياحية والفندقية والترفيه، غير أن الحدث الأبرز في سبتمبر الماضي إطلاق التأشيرة السياحية الإلكترونية، ثم حاملو تأشيرة أمريكا وبريطانيا وشنقن، التي لا تقتصر على الزوار وإنما تمتد لرجال الأعمال أيضا. ولعلنا نتطلع في هذا العام والذي يليه وصولا إلى 2030، أن يثمر هذا العمل الدؤوب والصامت لرئيس الهيئة عن حقائق مثل الذي حققه في 2019 مبتعدا عن صخب فقاعات سوشيال ميديا التي انزلقت فيها جهات حكومية كثيرة، واختفت المنجزات باختفاء القصص من ستوري سناب وإنستجرام في أيام معدودة.