ربما هذا المقال فيه شيء من الحساسية للبعض، وربما للوهلة الأولى لمن لا يعرف عما أتكلم يعتقد أن كاتب المقال بدوي فيه تحيز للبدو، لكن لنرَ الصورة من منظار واسع، وفي نهاية المقال للقارئ الكريم الحكم.

نعم أنا بدوي ومن عائلة بدوية، وبغض النظر أني قضيت ما يقرب العقدين من حياتي خارج المملكة، من أمريكا الشمالية لأوروبا لآسيا، وعاشرت وصادقت خلال هذه السنوات مختلف الأعراق والديانات والثقافات، لكن العروق تبقى بدوية.

في مزاد الحمام ببلجيكا بيعت حمامة اسمها أررماندو بـ1.25 مليون يورو، يعني أكثر من 5 ملايين ريال، في اليابان بيعت سمكة تونة في المزاد بأكثر من 3 ملايين دولار، أي حوالي أكثر من 11.5 مليون ريال.

بيعت خزانة إنجليزية قديمة يعود تاريخ صنعها لأكثر من 200 سنة، وهي خزانة بادمينتون بـ36.7 مليون دولار أمريكي (أكثر من 137 مليون ريال)، وهي معروضة الآن بالنمسا. وأيضا بعض أنواع الكلاب التبتية تصل أسعارها إلى 1.6 مليون دولار، يعني 6 ملايين ريال، والقائمة تطول وتطول، لم أشاهد أحدا في هذه الدول يتهجم على من يشتري هذه الأشياء، وينعته بأسوأ الألفاظ، وكأنه لا يملك القدرة على التفكير السليم، بل هناك احترام لشغف بعض الناس، فكل له هوايته وما يحبه. الآن أرى البعض ممن يدعي الحداثة والتقدم، يستهزئ بمهرجانات الإبل ومزاداتها، وهذا يعني إذا الشخص بشعر أصفر وعيون زرقاء، قالوا هذه هواية وشغف لو دفع الملايين في بعض الحيوانات، لكن هذا البدوي الذي يفعل الشيء نفسه في هوايته وتراثه وما هو تحت نظره وبيئته وهي الإبل، يسمى سفها وتضييعا للمال!.

وسأسرد بعض الحجج التي يذكرها البعض لمهاجمة تراث الإبل. البعض يحاجج أن مهرجانات المزايين والإبل فيها تفاخر بالأنساب والقبائل وإلى آخره، وهذا شيء غير محمود، فالتفاخر بالأنساب لا يجوز، وهو من خصال الجاهلية. عندما يفخر الشخص بشيء لم يبذل فيه أي مجهود، هو ولد وحمل اسم هذه القبيلة، لذلك لا يجب أن ينظر للناس بفوقية لشيء لم يكن من صنعه، لكن بعض الحداثيين أصيب بالتطرف لدرجة يريد إزالة اللقب القبلي، وهذا لم يحدث في تاريخ العرب من آلاف السنين، بل على العكس يجب على الإنسان أن يعرف قبيلته وأهله ونسبه، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- واضح: عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر»، فالقبيلة لها حسنات كبرى في حفظ الناس وترابط المجتمع. ذكر اسم القبيلة لا يعني بأي شكل من الأشكال الإساءة للآخرين، ليس ذنب القبليين أن البعض ولد من دون قبيلة، وإذا اعتقد البعض أن مجرد ذكر الآخرين لقبائلهم هو جرح له فهذه مشكلته!.

والعكس أيضا، لا يعتقد القبلي أنها مجرد واسطة عبور، بل هو اسم يتشرف الشخص بحمله، ويجب أن يكون على قدر المسؤولية، ولا ينظر للناس بفوقية أو غرور، بل يشرف الاسم الذي يحمله، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

البعض يعتقد أن الإبل حيوانات غير جميلة!، هم أحرار فيما يعتقدون، لكن لا يفرضون رأيهم على الآخرين. الإنسان ابن بيئته، وتراث ابن الصحراء هو الإبل والخيل، وهو يراهما أجمل المخلوقات في عينه، وله كامل الحرية في ذلك، واختلاف الذوق بين البشر شيء طبيعي، مثلا أنا أحب جدا الفن التشكيلي، وأقضي وقتا كبيرا لزيارة متاحف العالم في أوروبا وأمريكا، وأغلب أصدقائي الأجانب يعرفون أني أعشق لوحات فان جوخ ومونيه، وفي الوقت نفسه أعشق رؤية الوجوه الطيبة «البعارين»، ودائما أحكي لهم عنها، تحس بشعور جميل وأنت تشوف النياق، فيها مهجة لا يعرفها إلا من عاشرها. إذا لم ترها جميلة فغيرك يراها جميلة الجميلات.

ما ألوم خلف بن هذال يوم يقول:

«البل لها في مهجة القلب منزال

منايح القصار سفن الصحاري

مراجل يشقي بها كل رجّال

إفلاس بايعها نواميس شاري»

الموضوع ببساطة، لا تستهزئ بأي شخص لأن ميوله تختلف عن ميولك، وشغفه مختلف عما تحبه، وليس من العدل أن تنقد بعض البدو على مزادات إبلهم وأسعارها، وفي الوقت نفسه تقول عندما يشتري رجل أجنبي القرد الأخضر بالملايين، إنها حرية شخصية وشغف.