يعتقد البعض أنه تجاوز ترسبات الماضي وتشوهاته، وأصبح معافى منها حتى يحدث معه ما يثبت العكس، وإن كان هذا على حساب خصوصية الآخرين.

قبل عدة أيام انتشر مقطع لشخص يقذف فتيات بكامل حجابهن في مقهى طريق، ووصفهم بأبشع الأوصاف، اتهمهن بالزنا، وتطاول على أهاليهن وتحدث عن تصفيتهن بأسلوب يعتذر الإنسان لكل مخلوقات الكون بانتماء هذا الشخص لبني الإنس. ولأننا في دولة كفلت للجميع حقه في خصوصيته وسلامته وراحته، بمن فيهم المرأة، فبمجرد انتشار الفيديو أصدرت النيابة العامة الأمر بالقبض عليه وضبطه. هذا الشخص والذي أكاد أجزم أنه ليس في حالة طبيعية، وأن للمنشطات والمخدرات دورها في شحنه ضد بنات وطنه، هو نتاج تعبئة فكرية استمرت لسنوات من خلال المدارس والمنابر والمراكز التي تم اختطافها في وقت مضى، ولتراكمات تربية متأصلة ترى خروج المرأة فوضى وصوتها فسادا. في تويتر في وسم عرف بـ #قاذف_بنات_نجران الجميع اتفق على جرم وبشاعة ما قام به واستحقاقه أقصى العقوبات لتأديبه. العجيب في الموضوع أنه في زمن تصدر الموضوع تويتر وأصبح الوسم ترند، والجميع يستنكر ويطالب بالقبض عليه ويتعوذون من أخلاقه، كتب أحد الإعلاميين في تويتر ممن لديه متابعون بعشرات الآلاف تغريدة قال فيها: «انتشرت هالأيام موضة بين الشباب المتزوجين تلاقيه يمشي مع زوجته في أماكن عامة والحرمة ماخذة راحتها ومكتفية فقط بالعباية (ملونة) مفتوحة وأنواع المكياج بعضهم من عوائل معروفة ومحافظة.. يبدو أنه نوع من التحرر». الأكثر غرابة أن من كانوا ينتقدون تصرف قاذف الفتيات هم من أيد هذه التغريدة، ويصفون البنات المقصودات فيها بعدم الحياء وانعدام المروءة في رجالهن. بالنظر لمحتوى التغريدة تتضح فكرتها التي تشابه ما قام به قاذف الفتيات، بل إنها تحرض ضعاف النفوس والمرضى على هؤلاء النسوة مع أزواجهن، وتعيب عليهن هذا التصرف الطبيعي وتصوره للآخرين أنه فعل مشين عليهم الحذر من الوقوع فيه بحجج واهية لا تمت للدين بأي صلة، فقط لأنهن من «عوائل معروفة ومحافظة» يجب عليهن التقيد بأعراف وعادات لم ينزل الله بها من سلطان، رغم أنهن لم يرتكبن كبيرة، بل مارسن حياتهن الطبيعية في أبسط صورها، امرأة محجبة تضع أحمر الشفاه تضحك مع زوجها، أصبحت في رأيهم منعدمة الحياء، وزوجها بلا شرف ولا رجولة. مثل هؤلاء لن يخرج من بيئتهم إنسان سوي أبدا، سيظل يستنقص المرأة ويرى فيها العيب، ويرى ممارستها حياتها الطبيعية عيبا، ولن يمارس هو حياته مع أهل بيته بما يراه حقهم، ويبقى رهين تلك النظرة البالية. بعد هذا المشهد المتناقض تأكدت بما لا يجعل مجالا للشك أنه لا أحد سالم من تشوهات وترسبات الصحوة، وتلك الفترة التي صورت المرأة عارا وعورة، إلا القليل، مهما ادعوا، إلا ويحدث ما يكشف ما تخفيه مثاليتهم.