الحدث -الترند- والأكثر تداولا لهذا الأسبوع هو خبر إلغاء قسم العوائل في المطاعم، هذا الحدث هو الأعلى صوتا أو بمعنى أدق جدلا بين الناس، فبين مؤيد ومعارض، مستسلم ومستنفر، مستبشر متفائل أو غاضب متشائم، غابت تفاصيل الحدث والحكمة التي كان يجب أن تكون هي بؤرة النقاش الهادئ التي تسلط الضوء على إيجابيات الأمر وسلبياته، لنعزز من الأولى ونتدارك الثانية من أجل المصلحة العامة التي لن نحققها بمحاولة انتصار كل فئة لرأيها بالجدل العقيم الذي لا أمل معه في إصلاح يعود بالفائدة على الوطن والمواطن.

إلغاء قسم العوائل في المطاعم لا يعني اختراق خصوصية المجتمع، ولا يحمل أي نوع من أنواع التعدي على قيمه أو تقاليده، كل ما في الأمر أنه نتيجة متوقعة للتغير الذي يحدث في مجتمعنا، والذي أصبحت فيه المرأة شريكا رئيسيا في مشروع التنمية المستقبلية الشامل، والذي بدوره كسر كثيرا من حواجز محدودية تحرك المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي فك بعض عقد ربطت آلية تعامل الجنسين مع بعضهما، مع الاحتفاظ بأدبيات التعامل التي راعت الدولة فيها شرع الله، ثم خصوصية المجتمع وقيمه وتقاليده، وسنت لها قوانين تردع من لم يردعه ضميره ولم تضبطه أخلاقه. هذه الخطوة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فقبلها كانت قيادة المرأة للسيارة، السينما، الترفيه، فتح أبواب عمل جديدة لم تكن مطروقة من قبل يتشارك فيها الرجل والمرأة، والقادم أكثر مما أصبح من المسلمات بعد أن كان من المحرمات المجتمعية وليست الشرعية. ومع كل قرار أو خطوة جديدة تهب نفس الزوبعة بفنجان الرفض، ولا تلبث أن تضعف من الاطمئنان أن تلك المخاوف ليست لها أي مبررات في ظل تشريعات مستجدة مع كل خطوة في الصالح العام، تضبط الأمور بما يحقق مبدأ الفائدة بلا ضرر على الدولة ولا ضرار على المواطن.

لو فكرنا بإيجابيات هذا القرار لوجدنا أنه سيعود بفائدة اقتصادية على المستثمر الذي سيوفر له كثيرا من الأموال التي كان ينفقها في تجهيز فرعين لمطعم واحد أحدهما للأفراد وآخر للعوائل. أما اجتماعيا فالاندماج سيغير من نظرة المرأة للرجل، والرجل للمرأة، بالتعود على وجودهما في أماكن عامة ومجالات مختلفة في ظل قوانين ضابطة تغير من نظرية الذئب والحمل التي كانت سائدة لعقود، والتي عززت عند كثيرين مسألة أن المرأة فتنة وجسد يخاف على صلاح المجتمعات منها.

ولكن.. في الجهة المقابلة اقتناعنا بقرار كهذا يجب ألا يجعلنا نحارب جدلا من خلال منابر وسائل التواصل الفئة المعارضة، فكما نطلب منهم الهدوء فنحن مطالبون بالهدوء أيضا، خاصة أن القرار لا يجبر المستثمر عليه، فمن أراد لمطعمه أن يكون بلا حواجز فله ذلك، ومن أراده بحواجز فأمره إليه، الخيارات متعددة، الرأي والرأي الآخر عند المسؤول جدير بالاحترام، فلماذا نصنع نحن الفجوة!.

في قوانين البناء السليم للمجتمعات ذات البيئات المنتجة والجاذبة والمحفزة، قانون افعل ما شئت وآمن بما شئت ما دمت تراعي القناعات المختلفة، وتعمل من أجل مصلحة الوطن والمجتمع الذي يضم أنماطا فكرية متباينة، لك الحرية ما دمت لا تعتدي على حريات الآخرين، ولا تتخطى حاجز الشرع، ولا تهدد أمن الوطن، هذا هو المبدأ الذي يجب أن نعمل به الآن، لأننا بصدق نحتاج إلى هدوء مجتمعي يجعلنا ندرك ونفهم ونستوعب تفاصيل أهداف النماء الذي نعمل من أجله لنمد له أيدينا بالخير لا بالجدل العقيم، لأننا في البداية وإلى ما لا نهاية بأمر الله نحن كمواطنين أكثر من سيستفيد، إن كنا قوى داعمة لا محبطة، نوفر جهودنا لمصلحة هذه الأرض التي نعيش عليها.