في إطار الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران من أجل السيطرة والنفوذ في العراق، تصاعد التوتر مرة أخرى في أعقاب اتهام الولايات المتحدة إيران بالتحريض على اقتحام السفارة الأمريكية في العراق، ومن ثم أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني خلال وجوده في العراق، ما أدى إلى مقتله هو والمهندس الذي يقود الحشد الشيعي في العراق. وعلى أثر هذه العملية قامت إيران بالثأر لمقتل سليماني بإطلاق الصورايخ على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، ومن المعروف أن الولايات المتحدة بإدارة الرئيس ترمب وحلفائها في المنطقة تسعى إلى تقليص تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي تمارسه إيران منذ ثورة 1979، واستطاعت أن تمد أذرعا لها في المنطقة سواء في لبنان من خلال حزب الله أو اليمن جماعة الحوثي، أو العراق من خلال الحشد الشيعي والخليج من خلال الطوائف الشيعية الموالية لها، وكانت الولايات المتحدة في إدارة الرئيس ترمب قد تحللت من الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 (5+1)، وحثت الدول الأوروبية على الخروج منه، حيث اتهمت إيران بالسعي لزعزة الاستقرار والتوازن في منطقة الخليج بسعيها لامتلاك السلاح النووي، وتطوير برامج صاروخية طويلة ومتوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، ومن ثم فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران، الأمر الذي دفع إيران إلى إظهار قدرتها على تعكير صفو التجارة الدولية وبخاصة النفط، من خلال تهديدها بغلق مضيق هرمز، والقيام بعدة هجمات على ناقلات النفط، ثم انتقل الصراع على السيطرة والنفوذ في العراق بعد خروج الاحتجاجات الشعبية العراقية التي تندد بالفساد والتدخل الإيراني في شؤون العراق، ومن الملاحظ خلال العمليات المتبادلة بين الطرفين في العراق، أن الولايات المتحدة أرادت توصيل رسالة قوية لإيران، فالصورايخ التي أطلقتها إيران كان من السهولة جدا على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكي ضربها قبل السقوط، كما أن هذه الضربات لم تخلف أي ضحايا، حيث كان الجنود الأمريكيون داخل تحصيناتهم، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه لو كانت الضربات الإيرانية قد أسقطت ضحايا من الأمريكيين لمارس الرأي العام الأمريكي ضغوطا كبيرة على الإدارة الأمريكية من أجل الرد، وفي هذه الحالة كان من المحتمل أن تقْدِم الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى توجيه ضربة موجعة لأهداف داخل الأراضي الإيرانية، وزيادة احتمال نشوب صراع قد يطال المنطقة برمتها، ولكن الإدارة الأمريكية ترى في الوقت الحالي أن العقوبات الاقتصادية هي أبلغ أثرا من القوة العسكرية التي قد تخلف ضحايا من الطرفين، كما أن إدارة ترمب أرادت أن تبين للحلفاء الأوروبيين أن برامج الصورايخ الإيرانية التي كانت نتاج الاتفاق النووي الأخير أصبحت خطرا على الاستقرار والسلام الدولي. والملاحظة الأخيرة الجديرة بالذكر هي انتهاك الطرفين لسيادة دولة العراق ونقل حروب الوكالة إلى حروب سيطرة للقوات النظامية على أراضي دولة ثالثة، وهي سوابق تعد من قبيل انتهاكات القانون الدولي والقواعد الدبلوماسية.