لم يكن موقف علماء الزيدية من الحركة الحوثية على وتيرة واحدة، ولم يكن على وجهة نظر متوافقة في بداية الأمر، فالحركة الحوثية نشأت كحركة مضادة للزيدية منذ ولادتها، وبدأت في صراع مباشر مع رموز الزيدية، كما دخلت في صراع مع مجيد المؤيدي وحسين الرابضي وغيرهما من علماء الزيدية. وكانت الحركة الحوثية تحمل مسمى «الشباب المؤمن»، وعندما تحولت إلى حركة «الصرخة» كان حسين الحوثي يكرر دائما أن علماء الزيدية ضعفاء ويصمتون عن المنكر بحسب زعمه، وأنهم لا يتكلمون بالحق، إلى ذلك من التهم والتصنيفات التي وجهها للزيدية.

البداية كانت فتنة

يقول الباحث في المركز اليمني للدراسات والمختص في المذهب الزيدي والحركات الإسلامية أحمد مفضل لـ«الوطن» إن أول القوى التي اجتمعت واحتشدت ووقفت ضد الحوثيين وقدمت فتاوى بوجوب قيام الدولة بالقضاء على هذه الفتنة من أساسها هم علماء الزيدية. وأضاف: اجتمع هؤلاء العلماء ضد الحوثي وحركته ولا تزال فتاواهم مسجلة وموثقة إلى اليوم، ولا تزال مقاطع الفيديو منتشرة وتدلل وتبرهن على أن علماء الزيدية حذروا مبكرا من هذه الحركة وتصرفاتها وتمردها، ولكن قوتها بعد ذلك زادت ودخلت ضمن صراع واستقطاب سياسي في عام 2007، ثم تحولت جماعة الحوثي من جماعة متمردة خارجة عن النظام والقانون إلى شريك سياسي ومعارض، وأدخلتهم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني ضمن المكونات السياسية المعارضة التي لها استحقاق وتوجب أن يكون لها مظلومية، وهنا بدأ التغيير في المواقف، بحيث اعتبر الكثير من الزيدية أن الحركة الحوثية وإن كان لها أخطاء تجاه الزيدية أو كانت لها مواقف متطرفة ومنحرفة تجاه الزيدية إلا أنها تبقى ضمن المكون الزيدي.

وأكد مفضل أن كثيرا من علماء الزيدية المعتدلين بدأوا بالتقارب من الحوثيين، وهناك البعض من العلماء انضموا للحركة منذ البداية، لكن زيدية صنعاء والزيدية بالمعنى الحرفي لها لم تكن متوافقة مع الحركة الحوثية إلا عندما استقوت الحركة الحوثية بشكل كبير، كما أن بعض الأطراف الأخرى المناوئة لهذه الحركة اعتبرت الحوثيين ممثلين للزيدية، وهنا بدأت جماعة الحوثي تسوق لنفسها على أنها ممثل للزيدية وعلى أنها الأقرب للكيان الهاشمي، وبعد ذلك ظن كثير من الناس أن الحركة الحوثية امتداد للفكر الزيدي، ولا يزال محمد عبدالعظيم الحوثي وهو علامة زيدي كبير ينكر على الحوثيين ويعتبرهم دخلاء على الإسلام والمسلمين، وليسوا سوى امتداد للنظرية الخمينية الدموية.

الحرب ليست ضد الزيدية والهاشمية

يقول مفضل: لم تكن المواقف على مسار واحد، وبعد 2012 عندما دخلت الحركة الحوثية صنعاء، وقبل دخولهم كانوا قد وقعوا الوثيقة الفكرية التي تضم الأفكار الحوثية الطامحة لقولبة كل الأطياف والقوى الزيدية ضمن قالب واحد، ويكون عبدالملك الحوثي هو الممثل وقائد الثورة التي تقوم بها هذه المكونات، حتى وإن لم يكونوا موافقين عليه عمليا أو لا تنطبق عليه المواصفات والشروط التي يعتبرها المذهب الزيدي أصولا وثوابت في الحكم، لكنهم قبلوا بعبدالملك الحوثي.

بعد ذلك، أسكتت كل المكونات الزيدية، والمشكلة أن الأطراف الأخرى المناوئه للحركة الحوثية، لم تتح مجالا للزيدية حتى تقول كلمتها ورأيها أو حتى أن تشارك في الحركة السياسية ضد الحوثيين، وشاع أن الحوثيين بعد ذلك كله حركة زيدية وهي أبعد ما تكون عن ذلك.

الواقع اليوم يقول إن الحركة الحوثية لا تمثل الزيدية وإن الزيدية لها مواقف جيدة ضد الحركة ينبغي استخدامها واستغلالها مع الأيام وتشجيع الزيدية للوقوف ضد الحركة الحوثية، فالتعامل مع الجغرافيا أو الأماكن أو الأسر والأنساب يعد خطأ، لأن الحرب ليست ضد الجغرافيا الزيدية والمذهب الزيدي وليست ضد الهاشمي، ولذلك فإن الخطاب المنحرف الذي يرى أن كل الهاشميين وكل الزيود وكل الشماليين محسوبون على الحوثيين يسعى فقط لتقوية شوكة الحوثي.

ويؤكد الباحث مفضل أن الكثير اعتبروا الحوثي قوة ضاربة ويستند إلى جغرافيا تنصره ومذهب يعضده وسلالة ترفده، وهذا خطأ جسيم، ولا بد أن يعلم الجميع أن هذه المكونات لا يمثلها الحوثي أبدا، وإنما هو محسوب على نسبة ضئيلة جدا داخل اليمن، ويجب عدم إعطاء الحوثي أكبر من حجمه الذي لا يستحقه، فهناك قوى سياسية كان لها اندفاعات سابقة وقديمة في صراعها مع الزيدية، ولذلك استغلت الظرف ووقفت مع الحوثي، لتصفي حساباتها مع خصومها عندما وجدت حاضنة مدعومة إقليميا كالحوثيين.

إسكات العلماء

أكد الباحث في المركز اليمني للدراسات والمختص في المذهب الزيدي والحركات الإسلامية أنه لا يستطيع أحد اليوم أن ينتفض أو ينتقد الحوثي من علماء الزيدية في مناطق سيطرة الحوثي، وحسم الأمر صعب أو تصنيف المكونات الزيدية على أنها مع الحوثي بمجرد أنها لم تنتقده وهي تحت سيطرته، ولكن لو أتيح لها المجال وحرية الرأي وخرجت من مناطق سيطرة الحوثيين سيتغير موقفها، وجميعهم متضررون من الحركة الحوثية، وكثير من قيادات الزيديين تشتكي من الحوثيين، وهناك معتقلون في السجون الحوثية من أبناء المدارس الزيدية وطلابهم الذين يدرسون عند علماء الزيدية، كما أن التذمر الزيدي من الخطاب الحوثي مستمر، لأنهم يعتبرونه خطابا جديدا أكثر تطرفا مما كانت تعتبره الزيدية. وأضاف أن المدارس الزيدية كانت تتذمر من خطاب حركة الإخوان وخطاب بعض الحركات السلفية، وعندما جاءت حركة الحوثي جرفت كل شيء أمامها، وأصبح خطابها أكثر تطرفا من غيرها، ومارست خطابا تكفيريا للدين وللآخر وإقصاء للغير، بل إنه تجاوز ذلك حتى أصبح عدوانيا ودمويا، إذا لم تقبل بفكرهم أو اختلفت معهم، لذلك أصبحت كل الخطابات الأخرى في اليمن أكثر اعتدالا مقارنة بالخطاب الحوثي الإرهابي.

الحوثية جهادية تكفيرية

أوضح مفضل أن الحركة الحوثية اخترقت وخرقت العادة والعبادة، فعندما يدخل الخطيب الحوثي المنحرف وغير المرغوب فيه المجتمع ويأتي مدججا بسلاحه وفارضا نفسا بالقوة ويصعد على المنابر، فلا يعدو كونه تصرفا عدوانيا ضد الفكر الزيدي والإنساني. وأضاف أن أوراق وملازم حسين الحوثي لطالما حملت الفكر الجهادي وهو أمر لا يوجد في الثقافة الدينية الزيدية إلا في مراحل محدودة وضيقة جدا.

وتابع: الفكر الجهادي التكفيري لم يكن حاضرا إلا في فترات محدودة عند 5 أو 6 أئمة فقط، بينما عند بقية العلماء الذين يتراوح عددهم بين 70 و80 عالما من علماء الزيدية فقد مارسوا خطاب التعايش، أما حسين الحوثي فقد ورث خطابا تكفيريا جهاديا لا فرق بينه وبين خطاب القاعدة وداعش والجماعات التكفيرية، وهذا موجود في ملازم حسين الحوثي حتى اليوم.

الأمر الآخر الذي مارسته عصابة الحوثي هو إقصاء الخطباء الزيود عن المنابر وطردهم، وذلك بعد نقدهم واعتراضهم على بعض القضايا التي يريد الحوثيون بثها ودسها داخل المذهب الزيدي أو المجتمعات الزيدية، سواء على مستوى العلاقات والصلوات أو الأفكار والنظرة للآخر، وأول هؤلاء العلماء العلامة يحي الديلمي، مع أنه كان محسوبا عليهم ومن منظري الزيدية الكبار، إلا أنهم أقصوه وطردوه من مسجده، وحاليا يسيطرون على كل المساجد في صنعاء.

وأشار إلى أن الناس تتذمر من كل هذه الممارسات وينظرون إلى الخطيب الحوثي كمغتصب للمنبر، لأنهم يهدفون إلى إسقاط هيبة الدين والتدين والعبادات والعبث بها والسخرية منها، ولا يريدون مواقع تعزز روابط التعبد والعطف والرحمة والمودة والمحبة والاجتماع. إنهم على العكس من ذلك يريدون مجتمعا متقاتلا ومتحاربا وعلاقات متوترة ودماء تسيل كل يوم، فهم لا يحبون التعايش الإنساني لذلك حرصوا على إسقاط المنبر والمسجد وبالتالي إسقاط القيم كافة، وقاموا بتحويل المساجد إلى منتديات حزبية ومواقع للصرخة ونشر الأفكار المتطرفة، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ اليمن على مر العصور.

مظلة للعلماء المعتدلين

أكد مفضل أن المدارس الزيدية لا توافق ولا تتوافق مع الحركة الحوثية سواء العلامة محمد عبدالعظيم الحوثي والعلامة محمد عبدالله المؤيدي أو عبدالحميد أبو علي وغيرهم من الرموز الزيدية. وقال إن هؤلاء رفضوا تصرفات الحركة الحوثية ويعتبرونها انتهاكا صارخا للمدرسة الزيدية. وقال إن محمد عبدالعظيم يعتبر من علماء الزيدية الكبار ولا يتفق مع الحوثيين ويرى أن حركتهم ليست حركة علمية، وأن المذهب الزيدي مذهب علمي ديني، وأن الحوثيين مجرد دخلاء يحملون الطقوس الخمينية والاثني عشرية، وعندما توفي مجيد الدين المؤيدي اجتمع علماء الزيدية واتفقوا على أن يكون محمد عبدالعظيم الحوثي هو أكثر من يمثل الزيدية، ومحمد عبدالعظيم لا يرى في عبدالملك الحوثي أنه مؤهل لقيادة الزيدية ولا يمثل الزيدية أبدا، ولذلك قام عبدالملك الحوثي بطرد وتفريق طلاب محمد عبدالعظيم ومنعهم من مواصلة تعليم المذهب الزيدي على أصوله في حجة وعمران وصنعاء وصعدة، كما قامت الحركة الحوثية بعد سيطرتها بطرد طلاب الزيدية قبل طرد سلفيي دماج، على اعتبار أنهم منافسين ومخالفين لآراء الحركة الحوثية.

عقبات وضعها الحوثيون أمام علماء الزيدية

تحويل المساجد إلى مقرات حزبية عبر خطب الجمعة السياسية

حدوث نفور كبير من المساجد سواء على مستوى الفروض أو الجمع

اعتماد الحوثيين على الانحراف الديني لأنه يخدم حركتهم وإقصاء التدين بشكل عام

تعيين الحوثي عناصر غير متفقهة تقود المشهد الديني في المناطق التي يسيطرون عليها

عدم قدرة علماء الزيدية على عقد اجتماعات تدين الحوثيين في ظل غياب جهة شرعية

تفريق طلاب المدارس الزيدية ومنع العلماء من مواصلة تعليم المذهب الزيدي في حجة وعمران وصنعاء وصعدة

نشر الأفكار المتطرفة والفكر الجهادي في صفوف الناس وإيهامهم بأنها من أساسيات المذهب

انضمام بعض علماء الزيدية إلى المعسكر الحوثي رغم اتفاق علماء الزيدية على نبذهم قبل 2007

إسكات الأصوات الزيدية المعتدلة وتهديدها بقوة السلاح

إشاعة أن الحركة الحوثية تمثل الزيدية وترسيخ ذلك في عقول الناس