منذ بداية نشأة حركة الحوثي كان يتحدث زعيمها عن كيفية استغلال التحولات التي تشهدها المنطقة لتسويق مشروعه الخاص القائم على وجوب فرض إيديولوجية دينية سياسية ليس على بيئتها فقط؛ بل وعلى كل ما يمكن الوصول إليه من شعوب وبلدان ومجتمعات المنطقة والعالم.

وفيما تحدث في ملازمه عن كيفية استغلال الانفتاح والحرية والديمقراطية وحرية التحزب لتمكين من يصفهم بأولياء الله، ليعبروا من خلالها إلى الهيمنة على الحكم، باتت جماعة الحوثي اليوم تشكل تياراً سياسياً بخلفية دينية ذات نمط فكري وثقافي معقّد، في حين فرضت نفسها على حياة اليمنيين بقوة السلاح، وباستيلائها على السلطة وأصبحت تشكل خطراً على مستقبل اليمن والمنطقة.

تطلعات الحركة

يلقي محمد سالم عزان مؤسس الشباب المؤمن الضوء على هذا الجانب من تطلعات الحركة من ثلاث زوايا ويشرح مراحل تطور الحركة وحالات التجلي والكمون، وأهم المحطات التي مرت بها وكيف تعاملت مع الأحداث وتنقّلت في أطوارها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، يقول عزان لـ«الوطن»:

• كان الحوثي «المؤسس» يؤكد أنه ليس على خلاف مع الدولة اليمنية، وأن ليس لديه مشروع سلطوي خاص، وإنما يسعى للحصول على حقه هو ومن معه في التعبير عن رأيهم، إلا أنه بعد ذلك خرج إلى الطرقات وبسط هيمنته على البلدة التي يسكنها «خميس مران» غرب مدينة صعدة، وما لبث أن توسع نحو القرى المجاورة، وقبل أن ينصب أتباعه تحت ذريعة المخاوف الأمنية نقاط تفتيش في الطرقات الرئيسية وأحلّوا أنفسهم محل الدولة.

• كانت الدولة تدعوه للتفاهم فيستجيب، وحينماً أحس من نفسه قوة تمرد عليها حتى تمت مهاجمته وقاتل حتى قُتل، وظن المسؤولون أن الأمر انتهي عند الحسم العسكري، وأن الحركة ستنتهي بهزيمة الحركة في محل نشأتها ومقتل زعيمها! ولكنها ما لبثت أن أعادت تموضعها في «نشور والرزامات»، وانتقلت من غرب البلاد إلى شرقها.

جولات الحرب

• أدخلت الحركة محافظة صعدة في خمس حروب تخللتها مصالحات كثيرة، وبعد كل سقوط كان الحوثيون يعيدون تموضعهم في مكان آخر، مستفيدين مما اكتسبوه من خبرة في جولات المواجهات السابقة، حتى بعد أن يصلوا إلى حافة الهلاك. وطوال تلك الفترة كان أكثر اليمنيين ومسؤولي الدولة لا يتحمسون لأمر تلك الأحداث ويعتقدون أن الأمر يخص بعض القرى في أطراف محافظة صعدة.

• جاءت اضطرابات 2011م فاستغلها الحوثيون، وتحت جملة من الذرائع سيطروا على مركز المحافظة واستولوا على السلطة المحلية ومؤسسات الدولة، وصبغوا الحياة بطابعهم، وبما غنموا من سلطة وثروة ونفوذ مكنوا لحركتهم أولاً في الجانب العسكري والتعبوي، ثم يأتي بعد ذلك الجانب السياسي كواحد من أدوات التمكين فقط.

• كان كثير من المراقبين يقدر أنها مجرد تعرضات عابرة، وستنتهي الاحتجاجات في صنعاء، وسيسلم الحوثيون صعدة لصنعاء، ويصبحون جزاء من دولة الربيع العربي، ولكنهم تفاجؤوا بأن صنعاء هي من ذهب إلى صعدة، وأن العين أصبحت على تعز وعدن والحديدة ومأرب والمكلا، بل وعلى نجران وجيزان ومكة والمدينة وجيبوتي.

موجة الربيع

• ركب الحوثيون موجة الربيع العربي ودخلوا صنعاء كجزء من الحراك السلمي المطالب بالتغيير، ودخلوا كقوة سياسية وعسكرية ضمن برنامج الحوار الوطني المدعوم إقليما ودولياً، ولكن ذلك لم يوقفهم عن التمكين لمشروعهم الخاص والتوسع في الأرض والعمل ليلاً ونهارا لجذب الأنصار والمؤيدين لمشروعهم، وليس لكيان سياسي يعتزمون المشاركة به في دولة الجميع، فالدولة في تصورهم مجرد جزء من مشروع التمكين فقط.

• أثناء إعداد مسودة الدستور الجديد - وفق مخرجات الحوار الوطني الذي كان لهم يد طولى في صياغته - كانت الظروف مواتية لهم فأخذوا يتحركون للسيطرة على مناطق في عمران والجوف وحجة ويسقطون المعسكرات ويستولون على مؤسسات الدولة، والجميع يقف ببلاهة بحجة أن تلك التطورات تأتي كجزء مما وصفوه بثورة الربيع العربي، حتى سقطت عمران في أيديهم ومعها سقط واحد من أهم المعسكرات التي كانت تشكل السور الحامي لصنعاء.. ويومها ذهب الرئيس إلى عمران ليستلمها وقال كلمته الشهيرة «عادت عمران إلى حضن الدولة»، وما عَلِم أن صنعاء ستأتي هي إلى عمران!!

اقتحام صنعاء

• قبيل الإعلان عن مسودة الدستور بأيام، كان الحوثيون يحيطون بصنعاء من مختلف الاتجاهات فيما وصفوه باحتجاج سلمي مسلح!! وبكل سذاجة صدّق كثير من اليمنين أن الجماعة أتت لتحريرهم من ظلم الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وما هي إلا أيام واقتحموا صنعاء بالحديد والناس واستولوا على كثير من مؤسسات الدولة وبالقوة فرضوا أنفسهم على الحياة السياسية والأمنية والعسكرية.

• مع كل ذلك كان الرئيس والحكومة وكثير من القيادات العسكرية وقيادات الأحزاب يعتقدون أنهم فقط يمرون بمرحلة سوء فهم، وأن الجماعة بالفعل تَعني ما تقول من رغبتها في اتفاق سلم وشراكة، لذلك سلموا به ووافقوا عليه، في حين كان الحوثيون يفتكون بالدوائر الحكومية ويهيمنون على مختلف مفاصل الدولة، ويتعاملون مع الوضع كمحطة للعبور إلى مرحلة أخرى.

• بمجرد أن اعترض الرئيس والحكومة على تصرفاتهم في فرض أمر واقع على العاصمة، وقدم الرئيس والحكومة استقالتهم للضغط عليهم، وقبل أن تُناقش اعتقلوا الجميع وأسقطوا الدولة، وعلقوا الدستور وشكلوا لجنتهم الثورية، حتى أن إيران وصفت تلك الأحداث بسيطرتها على عاصمة عربية أخرى، وكشفت عن حقيقة ما يدور في أذهان الجماعة من تفكير في مسيرة الفاتحين نحو جزيرة العرب وبلاد الشام!

علاقة إستراتيجية

• كالعادة ظن الجميع أن الحركة ألقت عصاها واستقرت مسيرتها، ولكنها ما لبثت في صنعاء إلا عدة أشهر، حتى أعلنت علاقة إستراتيجية مع إيران وتركتها بلا سقوف، واتجهت للسيطرة على بقية محافظات الجمهورية، حتى وصلوا إلى عدن جنوباً والحديدة غرباً ومأرب وشبوة شرقاً؛ بل توعدوا المملكة العربية السعودية بانتزاع مكة والمدينة، واتجهت أنظارهم تلقاء البلدان المطلة على مضيق باب المندب.

• بقيادة المملكة العربية السعودية هبت عاصفة الحزم، ثم الأمل تحت غطاء عربي ودولي على أمل إنهاء الانقلاب في عدة أشهر وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ولكن ذلك لم يتحقق ولا حتى بعد ثلاث سنوات، ولا تزال الحرب مستمرة، رغم التكلفة الباهظة على الجميع، لا تزال تداعياتها تظهر وتتداعى.

حركة تمرد

تلك صورة مصغرة لما سيكون عليه المستقبل في حال الاستمرار في التعامل مع الحركة على أنها مجرد حركة تمرد يمكن القضاء عليها عسكريا أو باتفاق سياسي، ونحب هنا أن نؤكد على أمرين:

الأمر الأول: أن حركة الحوثي - كسائر الحركات الدينية – تنحني للعواصف، وتجيد الكمون في مراحل الضعف، وتستغل أي تحول لصالحها لتعود حتى بأي شكل من أشكال الأفكار المحنطة حتى بعد خمسين سنة من الثورة الجمهورية عليها؟!

الأمر الثاني: أن المواجهة القائمة ستنتهي بحسم عسكر أو سياسي، ولكنها لن تُنهي «مشروع الحوثيين»، الذين سيعودون من جديد بعد إعادة التموضع كالعادة، وستكون هنالك مواجهات مرة أخرى وبأدوات وأساليب جديدة، ويستمر مسلسل عدم الاستقرار في المنطقة ودفع الأثمان الباهظة من جديد.

إيديولوجيا الجماعة

تتطلع جماعة الحوثي إلى فرض إيديولوجيتها ليس على بيئتها فقط؛ بل على كل ما يمكن الوصول إليه من شعوب وبلدان ومجتمعات المنطقة والعالم، فهي ترى نفسها حركة عابرة للجغرافيا والثقافات، حتى أنها تتهرب من تسميتها باسمها الطبيعي «الحوثية»، وتصر على تسمية نفسها بـ«أنصار الله» لتكون مضافة إلى الله إله الجميع، حتى بعض قياداتها ينتقدون الحركات التي ترتبط بموطن جغرافي أو قومية محددة، بما في ذلك إيران وحزب الله.

واستناداً إلى دروس وتوجيهات حسين الحوثي التي كان يلقيها على أتباعه، والتي لا يزالون يعتبرونها اليوم مصدر إلهام لهم يمكننا أن نقرأ طبيعة الحركة وملامح المستقبل الذي تتطلع إليه، والتي لا تختلف من حيث الغايات عن اتجاهات حركات الدين السياسي، ولكننا سنميزها هنا بما هو من خصوصيتها.

حيث يتضح من مجمل ملازم الحوثي المنشورة منها نحو «سبعين ملزمة» أنه كرس جهده لخلق تيار عقدي يتَّبع ولا يفكر، استنفر له «الوسط الزيدي» الذي يعيش فيه، وحاول أن يقدمه بصيغة جديد هي عبار عن خليط مما أنتجته المذاهب.

ولهذا صدّر مسيرته باستبعاد مناهج التفكير كعِلم المنطق ومناهج الاستنباط كعِلم أصول الفقه، وحذر منها ونهى عن دراستها؛ ليتسنى له أن يفسر النص الديني كما يشاء دون ضوابط أصولية ومنطقية.

كيف حاولت جماعة الحوثي فرض إيديولوجيتها؟

01 كرست جهدها لخلق تيار عقدي يتَّبع ولا يفكر

02 استنفرت الزيديين بخليط من نتاج المذاهب

03 كرست مايسمى بترميز الأشخاص وتقديسهم

04 أخذت من التيارات والمذاهب ماتود أن تضيفه بمايخدم أهدافها

06 استبعدت مناهج التفكير والاستنباط ليتسنى لها تفسير النص الديني دون ضوابط أصولية