بينما تختتم «الوطن» حلقاتها، يتواصل الجدل حول صمت علماء الزيدية عن تحريف الحوثيين لمذهبهم، ووقف تدريس الكتب الزيدية في المراكز التعليمية، واستبدالها بملازم حسين الحوثي التي تدعو إلى التقليد، فضلا عن التحريف الواضح لكتاب يتحدث حول مذهب أهل البيت وحذف فقرات منه تحتوي على بعض جوانب التقارب بين السنة والشيعة.

غنيمة غير متوقعة

يقول الباحث في الفرق والمذاهب خالد الوصابي لـ»الوطن» إن الزيدية حصلوا على غنيمة بارزة لم يكونوا يحلمون بها، ولم يتوقعوا أن يسيطر الحوثي على اليمن، بعد أن بدأ حسين الحوثي أولى مناوشاته للحكومة اليمنية في عهد علي عبدالله صالح، حينما وقع أكثر من 18 من علماء الزيدية ضد حسين الحوثي، بينهم علماء كبار من الزيدية يناصرون الحوثي اليوم.

واتهم هؤلاء العلماء حينها حسين الحوثي بأنه ضد المذهب الزيدي، وضد آل البيت، وأنه يضلل علماء الزيدي وحكموا عليه بأنه ضال، ولكن حينما استتبت له الأمور وأصبح له الأمر والنهي وتسلم اليمن على طبق من ذهب، أعلنوا له الولاء مباشرة، وذهبوا إليه أوائل المباركين له بتسلم السلطة والزعامة، مما يعكس حرصا على استعادة الحكم.

الزيدية ظل السلطة

نقل الباحث عن أحد العلماء القول: «سوف نستعيد الحكم إما بثوب النبي أو بثوب ماركس، بمعنى أنهم سوف يعيدون الحكم للإمامة، إما عن طريق الدين أو غيره»، خصوصا أن عبدالملك الحوثي وغيره يعلنون أنهم ما زالوا تحت سلطة المذهب الزيدي ولم يخرجوا عنه، مما دفع العديد من علماء الزيدية لمبايعته على الخلافة والحكم، وتابع «كثير من علماء الزيدية السلطة لديهم أهم من المبادئ، لهذا كنت أقول المذهب الزيدي هو ظل السلطان بمعنى إذا وجد له الظل سينتشر المذهب، وإذا سقط الحكم من أيديهم تلاشى المذهب لأنه ليس له مبادئ وركائز قوية يقوم عليها».

حزب الحق

يلخص الباحث الوصابي بالقول: إن المذهب الزيدي عقيدة المعتزلة زائد الإمامة فقط، «فإذا حذفنا الإمامة من قاموس الزيدية لم يبق إلا المعتزلة»، ومما يستوجب الإشارة إليه أنه في البداية الحوثية كان هناك ما يسمى «حزب الحق» وراءه أفراد مسجلون في النشاط الثقافي ويمثلهم أربعة من كبار العلماء، أبرزهم بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي، وإن كان الأخير رجلا تقليديا لا يحب المصادمات، إنما يرى تدريس الكتب التقليدية للمذهب. ويستدرك، ولكن بدر الدين الحوثي كان يميل إلى المصادمات والمواجهات، وهو مؤلف كتاب الفروق بين الزيدية والأمامة، يرى أن التقارب مع الأمامية أفضل من التقارب مع أهل السنة، وحاول إزالة الفوارق بين الزيدية والإمامية وتذويبها كاملا.

انشقاق التابعين

وحدث انشقاق بين الشباب التابعين لبدرالدين الحوثي وأتباع مجد الدين المؤيدي، بعد أن نشر بدرالدين في أوساط الشباب ضرورة المصادمة وتغيير بعض الأفكار، مستعيناً بالقول: إن حسين بدرالحوثي كان يقود الشباب، ويميل إلى المصادمة ونقل الأفكار وتغييرها ونقد الزيدية نقدا كبيرا ودائما، وتابع: «وهنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة هي أن من شروط الحاكم عند الزيدية أن يكون مجتهدا، ولكن عندما أتى حسين الحوثي قام بإلغاء هذا الشرط مباشرة باعتبار أنه ليس أساسيا».

إلغاء الاجتهاد

يقول الباحث في الفرق والمذاهب: إن من الأمور الفقهية عند الزيدية أن المذهب يفتح باب الاجتهاد، بما يجعل لكل شخص تفكيره ويجعلهم غير منساقين خلف قيادة محددة، وهو الأمر الذي جعل الناس يختلفون ويتفرقون، لذا قام الحوثي بإلغاء أمرين مهمين من المذهب، الأول، اشترط على الحاكم أن يكون مجتهدا، وكان يرى أن شخصيته لا تؤهله للحكم، لذا أراد أن تكون الشروط موافقة لشخصيته. وأردف: «الأمر الثاني أنه قال إذا فتحنا باب الاجتهاد الفقهي وبات كل شخص يجتهد، فالناس لن يتبعوا قيادة واحدة»، تساءل «في هذه الحالة إذا نظرنا إلى تطبيق المذهب الزيدي هل تنطبق شروط الحاكم على عبدالملك الحوثي؟ لا تنطبق أساسا، لأن من شروط المذهب أن يكون الحاكم مجتهدا، بمعنى يكون قد بلغ الاجتهاد الفقهي وملما بكل العلوم الشرعية».

ترك كتب الزيدية

يستطرد الباحث خالد الوصابي بالقول: إن الحوثيين لا يدرسون حاليا كتب الزيدية في الدورات الصيفية، ولا المراكز التعليمية، بل حذفوها تماما واستبدلوها بملازم حسين الحوثي التي تدعو إلى التقليد، إذ لم يكن عند الزيدية شيء يسمى العلم بمعنى أن يكون الشخص علما من أهل البيت يرشد الناس ويقودهم، وهذا العلم هو الإمام المجدد، وهو ما وضعه بدر الدين وابنه حسين». ويضيف الباحث أن علماء الزيدية لم يتوقف صمتهم عند هذه الحدود فحسب، بل صمتوا على قيام الحوثيين بالتحريف مثلا في كتاب يتحدث حول مذهب أهل البيت، ويتناول التقارب بين السنة والشيعة، لذا تم حذف المجلدات الأخيرة.

اختراق الاثني عشرية

يكشف الباحث عن وجود أمور كثيرة تجد فيها اختراق الشيعة الاثني عشرية للمذهب الزيدي، أبرزها سعيهم إلى تقليص الفوارق بين الشيعة الاثني عشرية والزيدية مع أن الزيدية وعلى رأسهم الهادي بن يحيى بن حسين القاسم الرسي الذي أدخل الزيدية إلى اليمن سنة 284 هجرية نص في كتاب الأحكام على تكفير الرافضة، ووصفهم بأنهم مشركون وأنهم حزب الشيطان، ولكن حاليا تم رفض وطمس هذه الفوارق بحجة أن المقصود أناس آخرين غير الإمامية مع أنه وصفهم في هذا الكتاب بأنهم الإمامية بهذا اللفظ. يضيف أن الاختراق الثاني للشيعة الاثني عشرية للمذهب الزيدي يكمن في الحرص على الفرقة بين الزيدية والسنة، مع أن المذهب الزيدي القديم كان يستفيد من كتب السنة، ومنها كتاب البحر الزخار لأحمد المرتضى، وكتاب أبي داود، وكتب السنن، وينقلون أحاديث الأحكام، والاستدلال بكتب السنة، بينما لم نجد أن المذهب الزيدي استدل بكتاب الكافي أو كتاب بحار الأنوار أو أي من كتب الشيعة الاثىي عشرية.

القطيعة مع السنة

يستدرك الباحث أنه عندما أتى حسين الحوثي حرص على وضع قطيعة تامة على كتب السنة والاعتماد الكلي على كتب الاثني عشرية، خصوصا أنها كتب تدعو إلى مذهب الاثني عشرية، وليس الزيدية مثل كتاب المراجعات لعبدالحسين شرف الدين الموسوي، وكتاب ليالي بن شاور، وكتب جعفر السبحاني، وكتب الشيرازية التي كان تباع جميعها في شوارع صنعاء.

أما الاختراق الثالث - بحسب الباحث الوصابي - فتمثل في تشويه موقف زيد بن علي والكذب عليه مع أنه تاريخيا متفق عليه، إنما اختلف مع الذين كانوا يريدون الخروج معه حول موقف له مع أبي بكر، وعمر عندما قيل له ماذا تقول في الشيخان، فقال: «هما وزيرا جدي»، ورفض التبرؤ منهما، فغضبوا ورفضوه، فقال اذهبوا فأنتم الرافضة، ولذا يفسرون هذا الموقف بتفسير مغاير. أما الاختراق الرابع، فيتمثل في الموقف من فرقة الجارودية، إذ بدأت في الفترة الأخيرة دعاية كبيرة جداً على أنه لا توجد فرقة أو طائفة اسمها الجارودية، وأن مذهب الجارودية هو مذهب الزيدية نفسه، وأن الخطورة تكمن في رغبتهم في أخذ عقائد الجارودية وهي الفرقة المتطرفة وجعلها الأصل في مذهب الزيدية، بعد أن أنكروا طائفة الزيدية، وقالوا: «إنما أراد أهل السنة أن ينسبوا هذه العقائد إلى الجارودية، وهي أصلا عقائد الزيدية مع أن فرقة الجارودية مدونة في كتب الفرق جميعا وموجودة ومعترف بها».

إلغاء أصول الفقه

أما الاختراق الخامس، فتمثل في إلغاء ما يسمى أصول الفقه عند الزيدية، في حين جاء الاختراق السادس للشيعة الاثني عشرية في جعلهم أهل البيت هم الوراث الوحيدون للنبي في مجال العلم والرواية والحكم، صحيح الحكم موجود عند الزيدية ولكن لا يجعلون العلم حصريا على أهل البيت بحيث يمكن أن يستفيد غيرهم من العلم، واستدرك «ولكن الحوثي عند قدومه يرى أن أي علم خارج عن إطار أهل البيت، فإنه باطل فأهل البيت هم الذين يستقى منهم العلم وغيرهم لا قيمة لعلمهم». ويشير الباحث إلى أن مذهب الزيدية يجمع تباينات متفاوتة، إذ نجد فيهم غلاة الغلاة، وفيهم المعتدلون، إلى جانب وجود متطرفين، وتابع «فإذا ظهر متطرف وجدوا له أسوة وقدوة ونماذج من المتطرفين، وإن وجد معتدلين فقد وجدوا لهم قدوة من المعتدلين، ولذا داخل مذهب الزيدية هناك من المتطرفين لاحقا وقادما». ويبين أن هناك نماذج عديدة من المتطرفين مثل عبدالله بن حمزة الذي كان إماما من أئمة الزيدية، في القرن الخامس تقريباً وكان تطرفه سلوكيا أكثر منه علميا، واستخدم السيف في الزيدية، وموقفه في الطائفة المطرفية وهم من فرق الزيدية المعتدلين لاختلافهم معه في شروط الإمامة، ورأيهم أن الإمامة ليست محصورة في أبناء الحسن والحسين، وقاتلهم وقتل 100 ألف مطرفي، وهؤلاء من الزيدية، كما قتل أبناءهم وسبى نساءهم حول صنعاء، كما قام بإلغاء مدارسهم وألغى وجود الفرقة. ويضيف أن المتوكل أيضا كان من علماء وحكام المتطرفين، وكان يرى أن اليمن الأسفل الذي يضم إب وتعز وما جاورهما بلاد خراج ويجب أخذ الجزية منهم، لذا فرض عليهم أخذ الخراج واستحل أموالهم.

لا يوجد معتدلون

يقول الباحث في الفرق والمذاهب خالد الوصابي: إنه في الوقت الحالي لا يوجد علماء معتدلون من الزيدية، وإن كان هناك من هو معتدل لسمعنا له صوتا على الأقل يستنكر تفجير مساجدنا أو بيوتنا ومدارسنا، ولكنهم صمتوا صمت أهل القبور على ما يفعل الحوثي، مع أن أهل السنة يستنكرون أي اعتداءات إرهابية على مساجدهم.

ويضيف أن الحوثي إذا لم يجد المساندة من هؤلاء العلماء ومباركة جرائمه لما استطاع أن يتمدد ويخرج خارج صعدة، ولكنهم واجهوا كل أعمال القتل ونهب الأموال بالصمت المطبق، مبيناً أن للزيدية مرجعيات كثيرة، ولا يستطيع الحوثي أن يتسلط عليهم، وأن يكمم أفواههم لو أجمعوا أمرهم وكانوا صادقين.

واختتم أن الحوثي حاليا يمتلك السلاح، ولكن عندما ينتهي وينزع من يده السلطة سوف يعود للكهف، ويتبرأ منه كل المطبلين ويعودون للحديث بأنه كان ظالما فاسقا مجرما متطرفا سفاكا، مثلما فعل الزيدية أثناء حكم الإمام، وحينما سقط ذموه وشتموه.

أبرز اختراقات الاثني عشرية للمذهب الزيدي

الحرص على الفرقة بين الزيدية وأهل السنة

تقليص الفوارق بين الإثني عشرية والزيدية

القطيعة مع كتب السنة والاعتماد على الاثني عشرية

تشويه موقف زيد بن علي والكذب عليه

إلغاء ما يسمى أصول الفقه عند الزيدية

دعاية بأن مذهب الجارودية هو مذهب الزيدية نفسه

أهل البيت هم الورّاث الوحيدون للنبي في العلم والرواية والحكم