لعل من أشهر ما قيل في التراث عن الوشاة، قول الصحابي الجليل سيدنا كعب بن زهير، رضي الله عنه، لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم * أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ»، عندما جاءه مسلما متخفيا، وأنشده قصيدته البليغة ومطلعها «بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ * مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ»، وبعد الاستماع إلى بيتها الستين، خلع عليه صلوات ربي وسلامه عليه، بردته الشريفة.

الوشايات في هذه الحياة لها صولات وجولات، ويستطيع الوشاة -وللأسف- إطفاء أنوار الآخرين وتخريب نجاحاتهم، وهم موجودون في كل مكان، إذ تتشكل لهم عصابات لا تهتم إلا بتصفية غيرهم، من خلال أعمال سرية وترتيبات خاصة، يتسلقون بها إلى من فوقهم، لإقناعهم بصحة الذي يرونه، متناسين أن التحريض والتخوين وتصوير غيرهم كأعداء، هو هدم لكل المكتسبات الحياتية الجميلة.

التعامل الدقيق اللازم مع الوشاة يغيب أحيانا عن كثير من الحكماء، ففي وسط زحمة الحياة يحدث التناسي لقول الحق عز جلاله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، ولقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا»، ولحديثه صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحدٍ شيئاً، فإني أُحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»، مع أن في هذه النصوص وغيرها سلامة المجتمعات من الفرقة والبغضاء والخراب.

من أهم النصائح المسداة لمتلقي الوشاة، ما أهداه إلينا تراثنا العربي الخالد، ومن أجمل ذلك قول الشاعر الأيوبي، بهاء الدين زهير: «دعوا الوشاة َ وما قالوا وما نقلوا * بيني وبينكمُ ما ليسَ ينفصلُ.. لكمْ سرائرُ في قلبي مخبأة ٌ* لا الكتبُ تنفعني فيها ولا الرسلُ». وشخصيا أجد أبلغ ذَمّ لهذه النوعية من الناس قولَ الشاعر العباسي عبدالرحيم اللخمي، الشهير بالقاضي الفاضل: «لا تَقبَلوا قَولَ الوُشاةِ فَإِنَّهُم * كانوا لَنا في حُبِّكُم أَعداءَ.. جاءَت خَواطِرُكُم إِلَيَّ فَجاءَها * بِالإِفكِ فَانصَرَفَت بِهِ إِذ جاءَ».

ختاما، كل ما أرجوه ويرجوه العقلاء هو التنبه إلى أن الواشي من خبثه أنه لا يرتاح -مهما طال به الزمن- إلا بعد نجاح سعيه في إحداث الوقيعة بين الهدف الذي يريد الإطاحة به وبين غيره، ولا يروق له بال ولا يطمئن له حال إلا إذا قام بتقطيع الأواصر، وإحداث الفجوات بين مختلف طبقات الناس، وحوَّل التفاهم إلى حقد، والود إلى بغضاء، والتقارب إلى تباعد، غير عابئ بما ينتج عن قوله أو فعله أو تقريره، من آثار سيئة أو فجوات متوقعة،لا قدر الله ذلك.