قد يستغرب القارئ العزيز هذه القائمة لأربعة عظماء سعوديين، لكن بعد تفكير ووضع أسس اختيار مختلفة لما هو دارج، أحببت أن أضع بينكم هذه اللائحة لأناس وكيانات أعتقد أنهم يستحقون بكل جدارة أن يوضعوا في لائحة العظماء السعوديين، كلٌّ في مجاله.

هذه القائمة استبعدنا فيها أي هياط إعلامي أو تطبيل من جهات مدفوعة، والأهم من ذلك الشفافية فلا أحد من هؤلاء الأربعة لدينا أي مصالح مشتركة معه.

قد يقول قائل لماذا لم تدرج «فلانا أو الكيان الفلاني»، ولكن لدينا أسبابنا التي سنذكرها لعدم اختيار بعض الأسماء، والكيانات التي تبدو للوهلة الأولى قد تستحق الدخول في القائمة.

بالنسبة للكيانات كان الاختيار يجب أن يقع على كيان يكون على مستوى دولي من ناحية الجودة والنجاحات، واستثنينا الكيانات المدعومة من الحكومة أو تملك ميزات خاصة حكومية، مثل أرامكو التي تملك امتياز كل النفط تقريبا، بالإضافة إلى أن تكلفة الاستخراج من الأرخص عالميا. كذلك استثنيت سابك التي دعمت عن طريق أسعار اللقيم الرخيص مقارنة بالسعر العالمي، ووقع الاختيار على أحد الكيانات التي حققت نجاحات كبرى ونافس عالميا، وتفوق في مجالات حديثة، بل إن وجوده في السعودية بقي محدودا. فازت الشركة بمشاريع كبرى في فيتنام والمغرب وجنوب إفريقيا ودبي. حققت أرقاما عالمية بأرخص الأسعار، إنها شركة أكوا باور للطاقة والمياه، والمبدعة في الطاقة المتجددة. تدير الشركة حوالي 32 معملا في ثلاث قارات، ربما ما أفاد الشركة عالميا، أنها ابتعدت عن السوق السعودي سابقا إلا قليلا، خصوصا أن الفساد كان مستشريا في المشاريع الحكومية والخاصة، ولم يختاروا الطريق الأسهل، وهو مشاريع تحت الطاولة كما جرت العادة سابقا، لكن ذهبوا عالميا ونافسوا ونجحوا بكفاءتهم، لذلك أعتبرهم الشركة العظيمة السعودية في هذه القائمة. قد يقول قائل إن هناك رجال أعمال عصاميين في السعودية لم تذكرهم، وصحيح أن هناك كثيرا من رجال الأعمال يبدأ عصاميا ولكن للأسف بعد أن يعرف وتتوطد علاقاته ويشبك مصالحه مع بعض المسؤولين، يبدأ يعتمد على اسمه وبشته، لذلك لا نرى انتشارا عالميا للكثيرين، لأنه يختار الطريق الأقصر والأسهل.

العمل الإنساني والخيري

هناك كثير من الجمعيات الخيرية السعودية الكبرى، في الداخل والخارج، ولا ننكر أن لبعضها أعمالا مميزة، لكن مقارنة بالدعم الذي يأتيها، أعمالها محدودة، كما أنه في مرحلة سابقة، كان هناك شبه احتكار لتيار معين للعمل الخيري «الصحويين والإخونج»، ولا شك كان أيضا هناك المعتدلون من (المطاوعة)، لكن اختيارنا كان لرجل فريد قدم أعمالا كبرى بحجم عمل مؤسسات، ودخل المجال الإغاثي والخيري، ولم يستخدم غطاء دينيا أو هيئة شكلية معينة لاستدرار العطف والتبرعات، أتكلم عن (أبو الأيتام) علي الغامدي، هو عظيم العمل الإنساني والخيري، زار 28 دولة في إفريقيا بهدف رعاية الأيتام وكفل 7000 يتيم وأكثر من 2000 أسرة، وتجاوز عدد دور الأيتام 21 دارا، رعى الأيتام لسنوات في شرق آسيا، وتحول بعدها إلى إفريقيا. رجل عمل متطوعا بمفرده، وليس له أي تبعية لأي جهة، ولم يتلق الدعم أو المساعدة، رجل يقترض من أجل رعاية الأيتام ومشاريعهم، أنت بلا شك عظيم من عظماء السعودية يا علي الغامدي.

العمل الثقافي والإبداعي والريادي

هناك كثيرون ممن يدعون الريادة وكأنها موضة، وكثير منهم أولاد رجال أعمال، يود أن يأخذ لقبا ويدعي الريادة، يتكلم بالمؤتمرات واللقاءات وهو مدعوم إما بأموال أبيه أو علاقاته، لكن اختيار هذه الفئة كان لمبدعين سعوديين شباب ورياديين بمعنى الكلمة، وهناك عمق بالتفكير والرسالة رغم صغر أعمارهم نسبيا. إذا كان مسلسل سيمبسون يعتبر لكثيرين في العالم أفضل مسلسل أمريكي على مر العصور، لما له من تأثير في الحياة والحضارة الأمريكية، رغم أنه كرتوني واكتسح أعظم مسلسلات الدراما والكوميديا الشهيرة لعقود، فإن مسلسل مسامير بقيادة مالك نجر وزملائه يعتبر أفضل ما أنتجه الإعلام السعودي خلال سنوات في كثير من النواحي، الأفكار والشخصيات، والعمق والإبداع والرسائل، سواء الظاهرة أو الباطنة، وممكن أن يصلوا للدولية إذا استمروا بهذا الزخم، لأن إنتاجهم فاخر وذو جودة عالية، ونحن فخورون بهم.

الفئة الرابعة هي العمل الوطني، اتركوا بعض مدعي الوطنية و«الهياط» في تويتر، ومن يصور نفسه وطنيا ويوزع صكوك الوطنية على الناس وهو متبطح خلف الشاشة، إذ نتكلم عن الوطنيين الحقيقيين الذين لا يوجد مثيل لهم، وأؤكد لا يوجد لهم مثيل، لأن غيرهم حول العالم يختلف سلوكهم عنهم كليا، فغيرهم يبحثون عن أي عذر ليتركوا العمل والواجب، نحن هنا نتكلم عن الجندي السعودي، خصوصا الجنود ذوي الرتب الصغرى. الجنود حول العالم يبحثون عن أي عذر طبي أو إصابة للتقاعد أو الانتقال للعمل الإداري، بينما الجنود السعوديون يصاب بعضهم مرتين وثلاث وأربع وخمس مرات، ويعود للميدان، والأمثلة أكثر من أن تحصى، بل هو يحارب بكل طريقة حتى يرجع لساحة الشرف والميدان ويرفض العمل الإداري أو النقل!. ممكن أن أعطيك كثيرا من الأسماء التي أصيبت خمس مرات وتصر على الرجوع للميدان!. أعطني مثالا واحدا لجنود حول العالم بهذه العزيمة والإصرار. الدول تبحث عن الجندي الخارق، وتضع ميزانيات كبرى لنفسيات الجنود، بينما الجندي السعودي هو الخارق وهو من يطالب بالرجوع للميدان. لم أضعهم في آخر المقال كمقام، لكن أردت أن أختم بهم لأن آخر الكلام أطيبه. هؤلاء الجنود على الجبهة هم الوطنيون الحقيقيون. الموضوع ليس ماديا وليس إعلاميا، فهناك كثير من المهن التي تدر مالا أكثر، وزخما إعلاميا أكبر، لكن عندهم إيمان بالوطن، ولا يوجد أي إنجاز في الوطن أو فئة من السعوديين، أو من يسكن المملكة، إلا ويكون لهؤلاء الجنود الشجعان فضل لهم عليهم، بحمايتهم لهم وحماية لاقتصاد وحضارة هذا البلد.