وافق مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، على تشكيل أول مجلس لشؤون الجامعات في المملكة، بعد صدور نظام الجامعات الجديد. تتلخص صلاحيات المجلس في إقرار السياسات والإستراتيجيات المُتعلقة بالتعليم العالي وقضاياه. إنه قرار حكيم من قيادة حكيمة، فالحاجة ماسة جدا لمثل هذا المجلس. لا شك أن هناك تحديات سوف تواجه المجلس في ضوء ما صدر من اختصاصاته، ولكونه سوف يُخرج التعليم العالي من عباءته التقليدية والبيروقراطية والاجتهادات المُتناثرة هنا وهناك، والسعي غير المسبوق في طلب الاعترافات العالمية، والتي قد لا تخرج عن تمصلح مالي تقوم به مؤسسات عالمية تعليمية، هدفها التكسب المادي من الصين شرقاً إلى أمريكا الشمالية غرباً، لمؤسساتنا التعليمية وحال التعليم العالي «سر مكانك».

تتكون العملية التعليمية «الأساسية» ببساطة من طالب وأستاذ ومنهج، يُضاف لذلك بنى تحتية «وظيفية» من مبان ومدن جامعية وتجهيزات ومكتبة ومعامل بحثية وتقنيات حاسوبية، وتواصل علمي محلي وعالمي. نمتلك بفضل الله ثم بجهود ولاة الأمر كل مُقومات العمل الجامعي، ولكن المُخرجات لا تفي بالغرض ودون التوقعات، وهذا ولي الأمر قد وضع المسؤولية الكاملة في أعناق ثُلة من الرجال يُمثلون قطاعات الدولة ذات العلاقة بالتعليم العالي، وكذلك بعض من مُديري الجامعات لتطوير التعليم العالي في مملكتنا الحبيبة، كون التعليم بشقيه العام والعالي، وكذلك البحث العلمي من ركائز الدول العظمى، لنصبح دولة مُتطورة «Developed» فقد سئمنا مُصطلح دولة نامية «Developing» كما أوردت في مقال سابق، وكمتطلب لرؤية هذا البلد العظيم وفي ذات الوقت نكون دولة مُصدرة للمعرفة والمهارة والتقنية، بدل الاستيراد الذي كلفنا الكثير ولم يُعد لغة هذه الدولة العصرية العظمى.

لم نُعد نحتاج مُؤسسة في شرق العالم ولا في غربه تمنحنا رقم «تصنيف» على ورق، ولا نحتاج عبر «مُتطلبات» الاعتماد الأكاديمي لوزارة التعليم فحسب، نحن بحاجة لعملية «جراحية كبرى» للتعليم العالي، لتشمل تطوير مناهج حديثة للدراسات الجامعية والعليا في شتى التخصصات، وفقاً للبينات العلمية وبالشركات العالمية الحقيقية، وليس مُجرد شراء منهج «كسلعة»، وإنما من خلال الشراكة في البناء والتطوير والتعليم والاستشارة والمُتابعة، وتكون اللغة الإنجليزية هي لغة التعليم والتدريس، وتُحدث المناهج دورياً بما في ذلك قنوات المعرفة. نحتاج مناهج «غير تقليدية» تُبنى وتُؤصل على النهج النقدي «Critical Thinking» لتُخرّج إنسانا مُفكرا وفاهما لنفسه ومن حوله، وعالما يملك معرفة ذات طابع تطبيقي، ومُمارسا لديه مهارة، وباحثا قادرا على تحديد ما يواجهه في حياته المهنية من إشكاليات وصولا للحلول، ومُتعلما طول الحياة «Long-life Learner».

نحتاج عضو هيئة تدريس مُتطورا وناقدا وباحثا ومُفكرا وإنسانا، وليس مُجرد وظيفة حياتية يقتات منها، ليُحال للتقاعد في عمر الإنجاز والخبرة ولا يُمدد له إلا بشروط تعجيزية، وفي الوقت ذاته نستبدله بآخر «بنظام التعاقد الخارجي» أقل منه كفاءة للتدريس في جامعاتنا!! ولا يُعرف السبب. يُسخر من ناحية أخرى لعضو هيئة التدريس ما لا يُعطى لغيره، ولا يكون كطاحونة الهواء، يدور من الصباح للمساء «كتاجر عود عند أبوب المساجد» للبحث عما يكفيه، فقد فرضت عليه الشهادة واللقب العلمي ما لا يحتمله ولا يطيقه، وكذلك تفريغه للبحث وإجراء الدراسات التطبيقية المُتعلقة بقضايا التنمية، وليس مُجرد باحث للترقية فقط، والاتصال العلمي والمُشاركة في المُؤتمرات والندوات العلمية الداخلية والخارجية، ومنحه مكافآت تشجيعية نظير ذلك.

وضع معايير دقيقة ذات طابع سيكومتري «Psychometric» لقبول الطلاب والطالبات في الجامعات، واختيار التخصص ورسم المسار وفقاً لقدراتهم الإدراكية، وتعزيز سمات الشخصية السوية، تنمية الذكاء العاطفي، ومن ثم المُتابعة وتشجيع الابتكار، وتنمية المواهب كأنشطة لا صفية، والاهتمام بالجانب الشخصي والسلوكي لهم كسفراء معرفة وتطبيق.

الاهتمام بالبحث العلمي لأغراض تنموية، وليس مُجرد ترقيات، وتشجيع الباحثين بشكل عام والمُتميز منهم، لا نريد براءات اختراع أبداً، لقد سمئنا هذه الكلمة. نحن بحاجة لحلول لمشاكلنا المُعيقة للتنمية من خلال البحث العلمي الرصين وتطبيق مُخرجاته، ورصد الميزانيات لذلك والتخفيف من مُتطلبات طلب المنح، فقد أصبحت أشق من البحث ذاته، ولعل لدى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الخبر اليقين!!

المُتطلبات كثيرة «أوجزتها» ولعلني أهمس في النهاية داخل «آذان» من أُوكلت لهم هذه المهمة العظيمة من ولي الأمر حفظه الله قائلا: إن الأمر جسيم والخطب عظيم وواقع التعليم العالي يحتاج ما هو أكبر من العملية الجراحية لبناء إنسان وتنمية وطن وتحقيق أهداف وتطلعات قادتنا وأُمتنا، فلا تهنوا.