لدى حضوري عقد قران أحد الأصدقاء الأعزاء، استهل مأذون الأنكحة بكلمة جميلة حول أهمية الزواج في الإسلام، وأبعاده الاجتماعية والأخلاقية والنفسية، ثم بدأ بالتحقق من أركان النكاح وانتفاء موانعه، مرورا باستيفاء شروطه، والتي منها وجود وليّ الزوجة، كذلك الحال بخصوص الشهود.

شرع المأذون في طلب هويات الزوج، والزوجة، ووليّها، والشاهدين -فقاطعته قائلا- هل يتوقف تمام عقد النكاح على شهادة الشهود.

أجابني: بلا شك، فالأصل في ذلك ما قرره الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».

قلتُ: لكن الحياة سابقا توجب وجود الشهود في ظل انعدام وسائل إثبات عقد النكاح، إذ لم تكن العقود إلا شفاهةً «إيجاب وقبول»، ولا يمكن ثباتها إلا بالشهادة، ودفعا للشبهة التي قد تقوم حال مشاهدة الزوجين والظن بهما.

أردفتُ: ألم تقرر قواعد الفقه أن «الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً»، بمعنى إذا وجدت العلة أو السبب ثبت الحكم بها، وإذا زالت العلة أو السبب زال الحكم بزوالها، وانتهى بانتهائها.

أجاب المأذون الموقر: نعم، صحيح، لكن التفصيل في ذلك يطول، ولا يسع المقام لذكره.

ثم ضربتُ لفضيلته مثالا مع عمر بن الخطاب، حين عطّل سهم المؤلفة قلوبهم بعد زوال علّته، إذ ارتأى عمر أن السهم المذكور كان لعدة أهداف، منها ترغيب الناس في الدين، خاصةً وجهاء القوم، وكي يُسلموا ويُسلم معهم أقوامهم.

فعل ذلك -رضي الله عنه- حين تولّى، حيث كانت الدولة الإسلامية أكثر قوة من قبل، فتأول عدم الحاجة إلى هذا السهم بعد أن أعز الله الإسلام، ليقوم بإسقاطه رغم وجود نص قرآني محكم يتناوله، واستشهدت بوجود أمثلة أخرى لا يسع المقام أيضا لذكرها.

بادرني صديقي العريس بإيماءة خفية، أن توقّف عن الحديث لنكمل ما نحن بصدده، وحين شعرتُ أن عريسنا قد أُسقط في يده، التزمت الصمت كي يتسنى الأهم وهو إتمام الأمر، ومن ذلك خطرت لي فكرة المقال.

هذه القاعدة الجميلة التي تقرر دوران الحكم حول علّته، وجودا وعدما، هي ما تفرض فقها متجددا، خاصةً للأحكام التي تتناول المعاملات في الدنيا، ومنها يمكن الانطلاق نحو فقه معاصر نُثبت -من خلاله- مناسبة الدين لكل زمان ومكان.

في نظري، لا يظهر وجود الحاجة الملحة إلى الشهود على عقود الزواج، في ظل تطوير الوزارة -مشكورة- لأساليب التعاقد، ومنها عقد الزواج الإلكتروني، وإثباته كتابةً وتوثيقه بالبصمة الإلكترونية، عن طريق نظام أبشر للأطراف الثلاثة: الزوج، والزوجة، وولي أمرها، وتأكيده بالرسائل النصية مباشرة في مجلس العقد، من خلال متخصص في عقود الأنكحة مرخص من وزارة العدل، يحمل حاسوبه اللوحي.

ما الحاجة إلى الشهود في ظل إثبات العقد بالوسائل المذكورة، وهل سينكر الشهود حقيقة الزواج فيما بعد، وهل ستدعو الحاجة إلى استدعائهم لإثباته، بينما هو مثبت إلكترونيا.