يحتفل عدد كبير من المنتسبين إلى المذهب الشيعي الجعفري في المنطقة الشرقية وتحديدا في محافظة القطيف، بحوالي 40 مناسبة دينية موزعة بين مناسبات الفرح والمعروفة بـ«المُولد» ومناسبات الحزن والمعروفة بـ«الوفاة»، بالإضافة إلى 10 أيام من محرم والتي تختتم بيوم العاشر من المحرم والمعروفة «بعاشوراء». وهذا الأمر وفقا لمتابعين يتسبب في توقف الحياة العامة وزيادة عدد أيام الإجازات وتغيب الطلاب عن المدارس.

ولمواسم الفرح والحزن طقوس عند الشيعة، فبعد أن يختتم موسم الحزن والسواد بيوم وفاة النبي محمد، تنتزع كسوة السواد من على البيوت وترفع الملابس السوداء، ومع أول يوم من شهر ربيع الأول يدخل ربيع الفرح بتوديع الحزن عبر طقس شعبي قديم لتبدأ الاحتفالات بالمولد النبوي.

توديع الحزن بكسر القدو

مع بداية شهر ربيع الأول يبدأ الأهالي ضمن عادة قديمة بتوديع الحزن عبر ما يعرف بـ«كسر الجِرار» وهي العادة القديمة أو «القدو» الذي كان منتشرا بشكل كبير في المنازل، أو شيء من الصحون أو الأواني الفخارية كإعلان لنهاية موسم الحزن وبداية موسم الفرح، ومن ثم يبدؤون بترديد أهازيج شعبية تقول كلماتها: «طلع صفر بشره وشروره وجانا ربيع بخيره وبخوره»، حيث يشعلون النار في إحدى الساحات العامة ويكسرون «القدو» والجرات حولها، ورغم اندثار هذه العادة بشكل جماعي إلا أنها لا تزال بعض البيوت تمارس هذه العادة والتي كانت تمارس سابقا بشكل جماعي ألا أنها أخذت بالاندثار، وأصبحت إحدى العادات الفردية التي تمارس كاحتفال داخل المنزل أو على باب المنزل. ولا يرتبط هذا الاحتفال بمناسبة دينية ويعتبر أحد الاحتفالات الفلكورية التي تتداخل في بعض طقوسها مع احتفالات دخول فصل الربيع في بعض البلدان والمعروفة بـ«عيد شم النسيم» أو «عيد النيروز» الذي يحتفل به في العراق وعند بعض الطوائف ببلاد الشام ومصر بدخول فصل الربيع وانتهاء فصل الشتاء، كما أنها تمثل أحد الاحتفالات التركمانية في العراق التي تقام لانتهاء ما يسمونه «شر الشهور» وهو شهر صفر. وذكر باحثون بأن هذه الطقوس ظهرت في محافظة القطيف منذ منتصف القرن الماضي كما في غيرها من البلاد المجاورة لها، كالأحساء، والبحرين، حيث تبدأ الاستعدادات لهذا الاحتفال بعد عصر اليوم الثامن والعشرين من صفر بعد الانتهاء من مناسبة إحياء وفاة النبي، بجمع الحشائش وخوص النخيل لإشعال النيران فيها بساحة عامة يتم كسر ما تيسر من صحون أو جِرار أو قدو ومعها تبدأ طقوس كسر الحزن و«النحوسة» والتي ارتبطت تاريخيا منذ الجاهلية بشهر صفر وتوديع الحزن، واستقبال الفرح.

موسم الموالد

بعد أن يُودع شهر الحزن والنحوسة «بكسر القدو»، تبدأ احتفالات الفرح السنوية بالمولد النبوي الشريف بشهر ربيع الأول حيث تتزين البيوت بالأنوار والزينة وتقرأ جلسات المولد النبوي بالمنازل بترديد المدائح النبوية والأهازيج وتوزيع الحلوى والهدايا على الحاضرين. وتداخلت مؤخرا الأمسيات الشعرية الخاصة بقصائد الذكر والمدح النبوية، والعروض المسرحية التي تصور قصة مولده مع تلك الاحتفالات حيث تبدأ تلك الاحتفالات في يوم 9 ربيع الأول، وهو تاريخ إحدى روايات المولد النبوي وتختتم في يوم 12 من ذات الشهر وهي الرواية الثانية للمولد ويسمى «أسبوع المولد النبوي»، وتتشابه 13 مولدا أخرى تتضمن مولد فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد، وعلي بن أبي طالب، وابنيه الحسن بن علي، والحسين بن علي و9 أئمة من نسل الحسين، تتشابه احتفالاتهم مع احتفال مولد النبي مع فارق التاريخ الذي يرتبط بالتاريخ الذي تذكره الروايات لميلاد كل واحد منهم حيث تتضمن الاحتفالات سيرته التاريخية بدءا من نسبه وولادته ومآثرها ويصاحبها أغاني وأهازيج احتفالية بهذه المناسبة إلا أن تلك الاحتفالات تختلف عن المولد النبوي في كونها محصورة في يوم واحد فقط على عكس المولد النبوي الذي يستمر لمدة أسبوع كامل.

قرقعوه

تتزامن اثنين من احتفالات الموالد مع «القرقيعان» في منتصف شهري شعبان ورمضان، وهو الاحتفال الشعبي الخليجي الذي يخرج فيه الأطفال من بيوتهم ويتجولون على البيوت القريبة منهم وتوزع فيها الحلوى والنقود والورود والريحان، وهي عادة خليجية قديمة كانت تمارس في مختلف دول الخليج ولا تزال تمارس حتى اليوم بشكل احتفالي أوسع.

ويحتفل في هذين اليومين بمولد الحسن بن علي بن أبي طالب، والمهدي ابن الحسن العسكري حفيد الحسين بن علي، حيث يكون الاحتفال عاما للصغار والكبار لتبدأ الاحتفالات من بعد صلاة المغرب في بعض المناطق وعصرا في مناطق أخرى. ومع إقامة سيرة المولود في هذا اليوم في المنازل والمجالس، يخرج الأطفال بثياب شعبية وبأكياس من القماش يمرون على البيوت ويحضرون الاحتفالات التي تقام في الشوارع والتي تضمنت مؤخرا إحضار المهرجين، ونصب الألعاب الهوائية، وإقامة المسابقات والمهرجانات. ويربط البعض هذه العادة بأعياد لدى شعوب أخرى مشابهة كعيد الهالوين الذي يقوم فيه الأطفال بالمرور بالمنازل لأخذ الحلوى، وجاءت كلمة «القرقيعان» من كلمة (قُرْعٌ وقُرْعَانٌ وجمعها قرقعة وقرقيعان، وتعني ضرب أو دق الباب).

إعلان الحزن والكسوة السوداء

كما يستقبل الفرح عبر طقوس معينة، يستقبل الحزن أيضا بطقوس أخرى مختلفة، حيث يقسم الحزن والفرح أشهر السنة فيتم إعلان تلك الأشهر بتلك الطقوس، فمع بداية شهر محرم تنزع أنوار الزينة من على المنازل، وتكتسي بقماش باللون الأسود يحيط بسورها، لتضل كسوة السواد حتى بداية شهر ربيع الأول ليتزامن نزعها مع كسر القدو والجِرار لإعلان بداية الفرح.

ومع بداية محرم تبدأ طقوس الحزن تعم المنازل حيث لا فرح ولا احتفالات ولا زواج في هذا الشهر، ولا يلبس الجديد ولا الملابس الملونة ولا الزينة، وتبدأ المنازل بكسوة جدرانها بالقماش الأسود حيث تكتسي المجالس التي تقام فيها «القراءة الحسينية» اللون الأسود على كامل الجدران لتبدأ مع محرم جلسات «القراءة الحسنية» التي تتضمن قراءة الروايات حول معركة كربلاء والحديث في كل يوم عن سيرة أحد المشاركين في تلك المعركة حتى يوم العاشر من المحرم، الذي يكون اليوم المركزي والختامي لموسم عاشوراء ويتركز حول سيرة الحسين بن علي مع قراءة أبيات شعرية بطريقة إلقاء خاصة تعرف بـ«النعي»، وتهدف لاستدرار دموع المشاركين.

وتعتبر عادة قديمة بعاشوراء إلا أن تطور ما يعرف بـ«المنبر الحسيني» جعل المناسبة تتضمن محاضرات فكرية وثقافية وعقائدية قبل أن تختتم بـ«النعي»، الذي له مدارس متعددة تختلف باختلاف أطوار الإلقاء ووزن الأبيات الشعرية، وتتضمن القراءة الحسينية عادات كثيرة كتقديم القهوة السوداء المرة على المشاركين، وطبخ «عيش المحموص» الذي يوزع على المشاركين في الاستماع للمجالس وهي طبخة خليجية شبيهة بالكبسة ولكن بلون أسود غامق حيث يحرق البصل قبل الطبخ لاكساب الأرز اللون الأسود والطعم المميز لهذا الطبق، وتسمى صحون الأرز التي توزع في هذه المجالس بـ«عيش لحسين» وضربت بها الأمثلة لكونها توزع على نطاق واسع منذ عشرات السنين حيث يضرب بها المثل الذي يقول «اللي يعزي واللي ما يعزي ياكل عيش لحسين»، ويعني أن من يشارك ومن لا يشارك في هذه المجالس يحصل على نصيبه من هذه الضيافة.

عادات مستوردة

كما تتطور تلك الطقوس فإنها تتعرض لدخول العادات الدخيلة التي يتم فيها نقل عادات مجتمعات أخرى، حيث ظهرت في السنوات العشر الأخيرة عادة إغلاق المحلات التجارية والغياب عن المدارس في جميع مناسبات الحزن، التي تتضمن ما لا يقل عن 5 أيام من شهر محرم، بالإضافة لأيام متفرقة من العام يتم فيها إغلاق جميع المحلات التجارية، وغياب الطلاب عن المدارس بحجة وجود مناسبة دينية، وتشهد المدارس غيابا جماعيا، وتغلق المحلات التجارية بشكل عام، وتخلو صباحات تلك الأيام من الحركة الاعتيادية بسبب الغياب وإغلاق جميع المحلات التجارية بما فيها المخابز والمطاعم والبقالات، وتتعطل بالتالي الحياة العامة بالتزامن مع هذه المناسبات.

المضايف

ظهر ما يعرف بـ«المضايف» وهي مطاعم مفتوحة في الطرقات وأمام المنازل توزع الطعام بشكل مجاني ويتم فيها طبخ جميع أنواع الأطعمة بدون وجود أي نوع من الرقابة عليها ووجهت بحملة انتقادات شديدة انتهت بمنعها وإيقاف توزيع الأطعمة خارج المجالس التي تتم فيها الاحتفالات. وجاءت تلك العادة مع تداخل أبناء المنطقة مع شيعة العراق في مناسباتهم الدينية وبالخصوص «الأربعين» التي ينصب فيها العراقيون مضايف على طول الطرق المؤدية لمدينة كربلاء لإطعام العابرين وتم استنساخ هذه العادة من بيئتها إلى بيئات أخرى لم تتناسب معها ما أدى إلى رفضها وعدم قبولها اجتماعيا لما تمثله من إهدار للطعام، ومخاوف صحية من صلاحية تلك الأطعمة. كما ظهرت خلال أيام عاشوراء طقوس غريبة أثارت الجدل لسنوات، الأمر الذي أدى إلى اضمحلال تلك الممارسات كممارسة ما يعرف بـ«التطبير»، وهو عمل جرح في الرأس لإخراج الدم ومن ثم التظاهر بضرب الرأس بالسيف وهي عادة دخيلة على الشيعة العرب حيث تعتبر أحد الطقوس الهندية القديمة وتم استنساخها من قبل العرب الأهواز وشيعة العراق قبل أن تصل لشيعة الخليج بمظاهر متعددة تعرف بطقوس الإدماء بالسلاسل أو الحديد أو السيوف.

كما ظهر ما يعرف بـ«التطيين» وهو التمسح بالتراب للظهور بمظهر المعفر بالرمال، وهي عادة قديمة كانت تمارس أمام مرقد «الحسين بن علي» في العراق وتطورت لتصبح إحدى الممارسات التي تتزامن مع المناسبة في الكثير من البلدان.

الاحتفالات التي تقام سنويا

-استقبال شهر ربيع «بكسر القدو» لكسر الحزن والتشاؤم

-استقبال شهر محرم بكسوة البيوت بالسواد

-تبدأ الاحتفالات بالمولد النبوي وتستمر لأسبوع

-يليها 13 احتفالا ومولدا

-احتفالات القرقيعان تتداخل مع اثنين من الموالد

-مع بداية محرم تبدأ أشهر الحزن وتستمر طوال محرم وصفر

-تقام خلال العشرة الأولى من محرم مجالس «القراءة الحسينية» ويسمى بموسم عاشوراء

-يختتم موسم عاشوراء بيوم العاشر من محرم

-تختتم أحزان محرم وصفر بذكرى وفاة النبي محمد ليتم بعدها الاستعداد لاستقبال الربيع

العادات الدخيلة

-إقامة مضايف لتقديم الأطعمة بالطرقات العامة

-ممارسة طقوس ما يعرف بالتطبير

-ممارسة طقوس ما يعرف بالتطيين

-إغلاق المحلات التجارية

-الغياب الجماعي عن المدارس وتعطل الحياة العامة