مرت قبل فترة ذكرى اليوم العالمي للإذاعة، اليوم الذي يتكرر سنوياً في 13 فبراير، وفيه نستذكر سوياً البدايات التي كونت علاقتنا بجهاز المذياع «الراديو» تلك الآلة العتيقة وسيط البحث عن حلقة المعرفة المفقودة، حيث لم يكن ثمة وسائل متاحة يمكن للمرء أن يعلم أو يتعرف أويطلع على أوضاع وأخبار العالم عدا شاشة التلفاز الذي كان محدود الانتشار، وبعض الصحف الورقية. بصفتي أحد منسوبي إذاعة جدة أستذكر ومن وحي تجربتي ملامح صاحب ذلك الصوت الشجي الذي لا يمكن لأحد تقليده أو مضاهاته، أسترجع تلك اللحظات وهو يتهيأ أمام الميكروفون بنبرة صوته لسرد نشرة الأخبار في أستوديو رقم واحد، وهو الأستوديو الخاص بالبث المباشر، أسترجع صوته الجهوري المميز بالهيبة والذي يضفي على الخبر المصداقية، في الوقت الذي يرتعد فيه الميكروفون إعجاباً وتقديراً مع كونه مجرد آلة. كانت البرامج السياسية على وجه الخصوص أكثر البرامج استقطاباً لتميز طبقة صوته العالية، ذاك هو الدكتور حسين نجار، أحد أعمدة الإذاعة. أستحضر أيضاً في هذا اليوم رائحة الماضي من خلال شريط الذكريات لأحد البرامج الذي جرى بثُّ فقراته عبر أثير هذه الإذاعة، وهو البرنامج الشهير (ما يطلبه المستمعون)، البرنامج الجماهيري الوحيد الذي كان يتحرى أوقاته معظم أفراد المجتمع دون استثناء، يترقبون ساعات بثه بفارغ الصبر، أسر قلوب المستمعين من بين البرامج الإذاعية الأخرى، ربما لرونقه الخاص وطابعه المميز المختلف عن باقي البرامج، وربما لتفاعل المذيعة مع جمهورها العريض المغرم بسماع المذياع، وربما للمرونة التي كان يتمتع بها البرنامج الذي منح المستمعين فسحة يعبرون فيه عما في صدورهم من مشاعر وأحاسيس من خلال الرسالة النصية المكتوبة على الورقة التي يتم إرسالها عبر البريد السعودي لتصل إلى إدارة البرنامج في مبنى الإذاعة فتنقل وتبث حرفياً بصوت المذيعة مذيلةً باسم المرسل الأوفر حظاً في الظهور، وهنا يكمن عنصر الجذب في ذكر اسم المُهدي والمُهدى إليه، هذا البرنامج كانت تقوم على إعداده وتقديمه شيرين شحاته -رحمها الله-، وتتلخص فكرة الإعداد على مشاركة المستمعين الناس الأفراح والمناسبات الخاصة من خلال إهداء الأغاني. بقي أن أقول إن للأجواء العائلية التي تغمرها السعادة والألفة في تلك اللحظة، وهم ملتفون حول المذياع في إحدى باحات البيت بالمنطقة الغربية مذاق بالغ الجمال لا يستطيع كاتب هذه السطور أن يستطرد في وصفه، هناك مشاعر لا يمكن أن توصف بل تُحس وتُشاهد، الحديث هنا كان عن أربعين سنةً خلت.