الحديث عن التعليم متجدد، فهو يمس شرائح المجتمع بكل تفاصيلها وتنوعاتها. ويمتد معها زمنيا سنوات عديدة. ولذا تأتي المقالات والمشاركات والتغريدات والحوارات عن التعليم مليئة بالآراء والاختلافات والمناقشات والتحولات. وهنا أضع – ولا أدعي الصواب – محاولة لتحديد أهم أسباب التحول الذي حدث في وزارة التعليم. في السابق كانت وزارة التعليم (وزارة المعارف - وزارة التربية والتعليم) تعتمد في قراراتها وتنطلق في رؤاها على (إدارة الإشراف التربوي)، التي ما زالت تحتفظ بمسماها (التربوي) على الرغم من تخلي وزارة التعليم عن التربية!، كان هذا الاعتماد ينطلق من زيارات المشرفين التربويين للميدان، ومن تصوراتهم ومشاهداتهم، فكان التعليم ميدانيا ينقل كما هو من خلال المشرف التربوي الذي كان مشرفا متابعا ثم مشرفا منسقا، وكان حضور المشرف التربوي للمدرسة يمثل ثقلا إداريا ومعرفيا بما يملكه من صلاحيات وما تخوّله له الأنظمة من قرارات، وكان تقييمه للميدان التربوي محسوبا ومهمًّا.

حتى – وما بعد حتى – بدأت صلاحيات المشرف التربوي تنزع منه شيئا فشيئا، وأضحى عمله مجرّد أوراق لا تقدم ولا تؤخر في واقع الميدان التعليمي، بل إنّ المشرف التربوي وصل الآن إلى مرحلة أن يكون مراسلا لمكاتب التعليم وإدارته، بعد أن كان مسؤولا يقدم رؤيته ويرسم الواقع ويعيد تشكيله. أمّا الآن، فوزارة التعليم تعتمد على (شؤون المعلمين) في إدارة الواقع التعليمي، واقع المدارس، وهذه الإدارة لا تعرف الواقع كما هو، فهي لا تزوره ولا تنزل إلى أرضه، بل هي إدارة تعتمد على الأرقام فعدد الحصص يشكل عدد المعلمين، وعدد المعلمين لا ينظر له من حيث التخصص في المرحلة الابتدائية، ولولا التخصص في المرحلتين المتوسطة والثانوية لكان الأمر كذلك، ولا ينظر واقع المدرسة وبيئتها ولا ما يحيطها من ظروف اجتماعية، كما لا ينظر إلى ظروف المعلمين ولا احتياجاتهم المعرفية والنفسية، فتعامل شؤون المعلمين مع الواقع التعليمي تعامل رقمي لا يكشف حقيقة هذا الميدان ولا احتياجاته ولا متطلباته.

من هنا كان هذا التحول الذي نشهده في الميدان التربوي وفي المدارس، حيث صاحب القرار يجلس على كرسيه في مكتبه يتعامل مع زمرة أرقام، ومن يزر الميدان التربوي ويكشف خفاياه ويسبر أغواره لا يجد بين يديه من الصلاحيات ما يعينه على أداء مهامه، فأصبح مجرد حامل أوراق يملؤها بالأرقام ولا يجد لها أثرا. ولعلّ الحلّ أن تسعى وزارة التعليم إلى إيجاد منطقة توازن بين الإشراف التربوي وشؤون المعلمين ليكون بين الإدارتين تنسيق وتعاون في حل مشكلات المدارس وإعادة الهيبة للإشراف التربوي، وتفعيل دور شؤون المعلمين بشكل يتسق مع رؤية الإشراف التربوي التي هي أقرب للميدان وأكثر تلمُسًا لحاجات المدارس.

* الدكتور أحمد بن سليمان اللهيب