يشد الانتباه ما تحظى به القهوة من شعبية عارمة بين كل المجتمعات، وما تحققه من دخل اقتصادي مرموق، وما نتج عن ذلك من فكر «قهوي» ارتبط بموروث الشعوب، وأصبح جزءا من مكونها الثقافي الممتد بتأثيره على القطاع الصناعي، الذي وجد نفسه أمام تحد كبير في مواكبة هذا التطور المذهل، ليتحول إلى سوق كبرى مليئة بمخرجات ذلك الفكر المتنامي المرتبط بالعلم والتقنية والفن والذوق. تكشف ذلك المعارضُ والمهرجانات المتخصصة في هذا المجال، أهمها المعرض الدولي للقهوة والشوكولاته الذي يقام في مدننا الكبرى بصفة دورية، ومهرجان البن السنوي بمحافظة الدائر -شرق جازان- لتبرز لنا عالما مليئا بالمنتجات، والصناعات والمعارف والممارسات السباقة، والتنافسية العالمية في السيطرة على سوق من أكبر أسواق الاقتصاد وأكثرها نموا.

وتتميز معارض القهوة بتعاملها مع صناعة القهوة، وعرض ما توصل إليه الفكر العلمي في هذا المجال، وإبراز أثر التقنيات الحديثة في هذه الصناعة، من أدوات ومعدات تتدخل في عمليات الإعداد وطرق التحضير والممارسات المتعلقة بهذه الصناعة، إضافة إلى مهارات التسويق وجودة التغليف والإخراج.

ويجد الزائر لهذا المعرض خبرات متراكمة وعروضا متجددة وأفكارا متطورة، وثقافات مختلفة في عالم القهوة ومشروب الكيف.

بينما يهتم مهرجان البن بعرض وتسويق المنتج الخام من ثمار البن، إضافة الى نشر ثقافة الاستزراع، وطرق المعالجات الحقلية.

ولما يزخر به هذا المجال من تطور مستمر، فإن الاهتمام بإنتاج المادة الخام التي قامت عليها هذه السوق العظمى، لفت أنظار كثير من الدول، فشغل اهتمامها التركيز على عملية الإمداد والإنتاج في حقولها الزراعية، وتنميتها كثروة إستراتيجية امتدت السيطرة عليها لقرون عدة، وتمكنت من امتلاك عناصر التحكم في هذه السلعة، وإخضاع كل الدول المنافسة خلال إغراق السوق بالفائض، وزيادة سقف الإنتاج حال الحاجة إلى كبح جماح المنافسة، كما هو الحال في أسواق النفط التي تخضع لهيمنة العمالقة.

وبالنظر إلى النوع الإنتاجي والممارسات الحقلية بمجال زراعة البن في الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية -خصوصا محافظة الدائر شرق جازان- التي تملك أكبر حجم إنتاجي من هذه الثروة، نجد أننا أمام مستقبل واعد في هذا المجال، إذا ركزنا على امتلاك أدوات المنافسة، أهمها التحول نحو ممارسات الزراعة العضوية التي تحظى بمكانة عالمية مرموقة وقيمة عالية، وتتقدم فيها المملكة على مختلف الدول، بموازاة اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لصرامة الإجراءات ودقة المتابعة وعمليات التفتيش المتعاقبة من الشركات المراقبة للممارسات الزراعية، وبإشراف الإدارة المختصة بالزراعة العضوية بوزارة البيئة والمياه والزراعة، وبالتركيز على تحويل كل الحيازات الزراعية، إلى تطبيق ممارسات الإنتاج العضوي، ودعم هذا التحول لكونها في الأصل تطبق تلك الطرق بشكل تلقائي، نكون قد حققنا مكسبا مهما في توثيق الجودة، وبناء الثقة في منتج واعد، نسعى خلاله إلى امتلاك زمام المبادرة، ونحقق بذلك رغبة صناع القهوة ومستهلكيها، ونوفر للخزانة الاقتصادية دخلا جيدا يلمس أثره المزارع في حقله، وعشاق القهوة في مقاهيهم.

ولأننا أمام مرحلة البدايات، فإن التوعية الإرشادية أداة مهمة، وقد أولت إدارة الإنتاج العضوي هذا الأمر اهتماما مناسبا، إلا أن وجود وحدة مختصة ودائمة في أوساط المزارعين -وليس بعيدا عنهم- أمرٌ في غاية الأهمية، وتوفير المدخلات العضوية بشكل مجاني لضمان الاستخدام الأمثل، ومعالجة وضع الدعم المادي الذي يعد حافزا جيدا ومشجعا مغريا، مع مراعاة عامل الجغرافيا في مبالغ الدعم النقدية، فالمساواة غير عادلة، نظرا لما يعانيه مزارعو البن من معاناة التضاريس الجبلية، تختلف تماما عن باقي البيئات، إضافة إلى أن مساواة نوع المنتج في معيار الدعم مع بقية المنتجات الأخرى ليس هادفا، لما يحتله محصول البن من ندرة وقيمة وصعوبة توفير احتياجاته واستمرارية رعايته والممارسات الخاصة به، مما يعني الحاجة إلى وضع معايير خاصة لمقدار الدعم، بمراعاة كل الميزات والمعوقات والوزن الاقتصادي لهذا المنتج الثمين، وهذا التحول المحمود تقوده وزارة البيئة والمياه والزراعة باقتدار، تحت شعار «نساند عزيمتك وندعم انطلاقتك نحو مفهوم أفضل لزراعة عضوية مستدامة».

ولتحقيق مضمون هذا الشعار، فإننا نحتاج إلى الاستمرارية واستشعار عظمة العمل، واستغلال مقدراتنا وميزاتنا، لإعلاء مكانة ثرواتنا الحية.