تحدثت منذ أسبوعين تحت عنوان "جزيرة العرب والعواصف الترابية" على صفحات هذه الصحيفة الغراء، عن أنواع العواصف الترابية التي تهب على جزيرة العرب، وصنفتها إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول من هذه العواصف يكون متزامنا مع فترة الانقلاب الربيعي، ويبدأ مع بداية شهر مارس وينتهي عند منتصف شهر أبريل تقريبا. وقد تحدثت عن هذا النوع بشيء من التفصيل في مقالي السابق، وسأواصل حديثي اليوم عن النوع الثاني من العواصف الترابية، وذلك حسب ما ورد في تصنيفي لهما في مقالي السابق.

النوع الثاني من العواصف الترابية، وهو كالنوع الأول، يؤثر بصورة رئيسية على شرق جزيرة العرب، ويستمر لفترة تتراوح ما بين 30 إلى 50 يوما، ويبدأ هذا التأثير مع بداية شهر يوليو وينتهي تقريبا مع نهاية شهر أغسطس. ويطلق سكان الخليج على هذا النوع من العواصف الترابية اسم رياح الشمال الأربعين، (الطوز)، لاستمرار هبوبها بصورة متقطعة حوالي أربعين يوما تقريبا، وعادة ما تكون سرعة الرياح فيها أقل من سرعة الرياح في النوع الأول. والسبب المناخي في حدوث هذا النوع من العواصف الترابية هو تكوين منخفض جوي عميق فوق شبه القارة الهندية في فصل الصيف، يطلق عليه اسم المنخفض الجوي الهندي. وجميع المنخفضات الجوية، كما ذكرت، هي عبارة عن دوامة دائرية من الهواء التصاعدي، أي أن اتجاه حركة الرياح فيها عكس اتجاه حركة عقارب الساعة، يمتد نصف قطرها من المركز إلى آلاف الكيلومترات، وأقصى سرعة للرياح فيها تكون بالقرب من مركز المنخفض الجوي ( الدوامة)، وتقل هذه السرعة كلما ابتعدنا عن مركز المنخفض، لذلك نرى تأثيرها يقل كلما اتجهنا إلى الشرق، فترفع درجات حرارة الطقس في كل من العراق وشرق جزيرة العرب إلى درجات قياسية قد تتجاوز الخمسينات المئوية، أضف إلى ذلك إثارتها للغبار والأتربة في هذه المناطق، وقد يصل هذا التأثير إلى المنطقة الغربية. والتيارات الهوائية الدافئة لهذا المنخفض الجوي والقادمة من الشرق (الهواء الأزيب)، تؤثر على كل من وسط جزيرة العرب والحجاز، لترفع درجات حرارة الجو أحينا لحوالي 50 درجة مئوية، وقد يصل تأثير التيارات الدافئة لهذا المنخفض حتى القارة الأوروبية، لترفع درجة حرارة الأجواء فيها أحيانا إلى الأربعينات المئوية، مسببة عددا من الوفيات في أوروبا. ودعوني أذكركم بما حدث في شهر يونيو عام 2110 عندما تسببت التيارات الحارة لهذا المنخفض في رفع درجة حرارة الجو في جدة لحوالي 53 درجة مئوية، وعادة ما تعرف الرياح المصاحبة لهذا المنخفض، أي المنخفض الهندي، باسم الرياح الموسمية Monsoon ، وإلى هذه الرياح الموسمية يعود هطول الأمطار الشديدة على كل من شرق وجنوب شرق آسيا، مسببة الفيضانات المـدمرة، وما حدث في الصين وباكستان وتايلاند من فيضانات مدمرة ليس ببعيد!!

على أن جنوب غرب جزيرة العرب، بما في ذلك مرتفعات عسير، لا يتأثر عادة برياح هذا المنخفض الجوي، ولكن الطقس في أجواء هذه المناطق عادة ما يكون مرتبطا بنوع آخر من التغيرات المناخية، وهذه التغيرات المناخية على نوعين، النوع الأول عبارة عن مرتفع جوي يتمركز في وسط القارة الأفريقية، في فصل الصيف، أما النوع الثاني فهو منخفض الهند الموسمي الصيفي، الذي تسبب دواماته الهوائية في خلخلة الضغط شمال القارة الأفريقية. فالمرتفع الجوي الأفريقي في الجنوب يعمل على دفع الشريط الاستوائي المطير جهة الشمال، يساعده في ذلك معدلات الضغط المنخفضة التي يسببها منخفض الهند الموسمي على شمال أفريقيا.. هذا الأمر يتسبب في اندفاع هذا الشريط الاستوائي المطير جهة الشمال ليتغلغل في جزيرة العرب، فيَصَل تأثيره لكل من الجنوب الغربي والجنوب الشرقي لجزيرة العرب، مسببا هطول الأمطار الشديدة على هذه المناطق، وما نشهده الآن من أمطار على المنطقة الجنوبية الغربية، خاصة مرتفعات عسير والطائف، ما هو إلا تأثير مباشر للتغلغل الواضح لهذا الشريط في جزيرة العرب. وما شهدته كل من مدينة جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة من أمطار في اليومين الماضيين ما هو أيضا إلا تأثير مباشر لتغلغل الشريط الاستوائي شمالا في جزيرة العرب. وهناك تقارير علمية تشير إلى ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة المياه السطحية لكل من بحر الـعرب والمحيط الهندي، وهذا يعني بالضرورة زيادة معدلات كمية بخار الماء في هذا الشريط الاستوائي، لذا نتوقع أن يشهد جنوب غـرب المملكة العربية السعودية، في فصل الصيف نسبة هطول أمطار شديدة، فهل أعددنا العدة لذلك؟ وهل أعددنا عـدتنا لمواجهة العواصف الترابية الجنوبية المصاحبة لتغلغل هذا الشريط، التي عادة ما تهب على طول الساحل الغربي، التي قد يصل تأثيرها إلى كل من المدينة المنورة ومدينة ينبع، والتي يطلق عليها أهل الحجاز اسم الهواء اليماني؟.. حماك الله يا وطني من كل سوء.