المجرمون لا ينعاهم إلا مجرمون، والقتلة لا يتعاطف معهم إلا قتلة أمثالهم. تربطهم مواعيد اللقاء في حمامات الدم، وتحكمهُم روائحها، يتشابهون في البطش والقتل، ويتظاهرون بالوداعة والإنسانية، يجتمعون سويّاً عند نقطةٍ معينة، لذرف الدموع و«دغدغة» عواطف البُسطاء، التافهين، السُذّج. هُم بلا قضايا، ولا إنسانية، ولا مرجعية. سفاحون بأوجه «وديعة».

هم بالمختصر متسلقون على قضايا الآخرين. يملكون القدرة على إرهاب البعض، باعتبارهم مارقين ولا يتجاوزون ذلك.

هذه الصورة المختصرة لما يعرف بـ«محور المقاومة»، بأدواته ورموزه الكاذبة المزيفة والمنتمين إليه، بل وحتى مؤيديه.

ضمن تبعات هلاك أحد مجرمي وأدوات النظام الإيراني «الجنرال المقبور قاسم سليماني»، كان «ملك الموت» على موعدٍ مع أحدٍ ما، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، «معقل» ميليشيا حزب الله الإرهابية. سخرية القدر أيضاً كانت هناك في الموعد ذاته.

جاء «ملك الموت» مخاطباً ومانحاً عدة خيارات لحسن نصر الله، زعيم ميلشيا حزب الله، ووكيل ولاية الفقيه في لبنان، وهو يعي أنه أحد المجرمين.

قال له «سيد حسن.. أنا ذاهب إلى إيران لأقبض روح قاسم سليماني، لكن الله جعل هناك استثناء. وقال لي اذهب إلى فلان -أي حسن- وقل له هناك خيار آخر لتأجيل قبض روح قاسم سليماني، وهو أن نقبض روحك. قلت خذني واقبض روحي واترك الحاج قاسم سليماني!».

كانت تلك رواية جاءت على لسان نصر الله، خلال لقاءٍ متلفز أجرته معه إحدى المحطات الإيرانية. ذرف دموعه، والتقط أنفاسه. صدّق تلك الدموع ثُلة وانطلت عليهم، وسخرت منها أخرى. استسخف واستخف بتلك الرواية ملايينٌ في الشارع العربي، وباتت موضعاً للتهكم والسخرية.

كُشف حسن المكشوف في الأساس. تساءل بعضٌ من الأذكياء، وربما المُكذبين: ألم يسأل»ملك الموت«في ذلك اللقاء الفرضي، حسن نصر الله، عن آلاف البشر ممن أسهمت آلة حزبه العسكرية، الخارجة عن القانون ونظام الدولة اللبنانية، في قتلهم وتهجيرهم. ماذا عن ملايين السوريين ضحايا بطش الحزب ومن يسير في فلكه. ماذا عن الدعم المطلق لميليشيا مارقة انقلبت على الشرعية في اليمن.

ألم يطرح»ملك الموت«سؤالا عن وضع سلاح حزب الله الإرهابي في يد قوى إرهابية بالعراق، قسمت البلاد على أساس مذهبي بغيض؟ وماذا عن اغتيال رفيق الحريري؟.

تلك أسئلةٌ مشروعة. تمنح الحق وتعطي المجال لطرح سؤالٍ آخر، ما الفائدة من التباهي بتمثال للمجرم قاسم سليماني تم نصبه من قبل حزب الله جنوب لبنان، ليكون بمثابة فزّاعةٍ باتجاه إسرائيل -حسب روايته- التي يتغنى ومؤيدوه بمحاربتها، دون أن تُطلق رصاصة واحدة باتجاهها؟!

قد يتفهم البعض أن ذلك من باب العواطف التي يُكنها زعيم الميليشيا للقاتل المقبور. وقد يرى البعض الآخر أن ذلك من باب رد الجميل للحزب الذي كان يلقى دعما مطلقا من فيلق القدس الذي يتزعمه سليماني.

أنا عن نفسي، لا أؤمن بتلك الروايتين، أميل بداخلي إلى تفسير تلك التصرفات واعتبارها محاولات عبثية بائسة، لإضفاء نوع من القداسة على مشروع كامل وشخصيةٍ مُجرّمةٍ دولياً، وأثبتت الأحداث -خلال السنوات الماضية- وقوفها وراء جميع محاولات زعزعة المنطقة بمن فيها، على أساس طائفي ومذهبي مقيت.

ما يُفترض أن يفهمه ويعيه حزب الله بسيده ومؤيديه وقواعده الشعبية»المتململة«في الأساس، أن الإرهاب الذي كان يجسده قاسم سليماني، ذو وجهٍ واحد، لا تجدي محاولات تحويره إلى صورٍ من الدفاع عن النفس، أو تجييره إلى مصلحة قضايا معينة بصرف النظر عن المستفيد.

والأهم من ذلك، يجب أن يعي الجميع -لا سيما ذلك المحور- أنه بقتل سليماني تبخرت أهم أوراق المشروع الصفوي الذي سقط الستار عنه، واتضح للعيان زيفه وبطلانه، وأن معادلة»يموت عربيٌ ليحيا إيراني» انتهت وقُبرت مع المقبور، ولن تعود بتمثال أو نصبٍ تذكاري لأيٍ كان من المجرمين القتلة.

لن تُجدي صكوك الغفران، ولا القداسة المزيفة.. وإلى لقاءٍ جديد مع قاتل جديد.