«ما لا يمكن نقاشه علنا لا يمكن تحليله أو دحضه. لا يمكن اعتبار القضايا المركزية التي لا تطرح للتحليل أو للدحض تافهة أو غير ملائمة. ندرك أن التكتيك الأكثر نبوغا للنخبة هو رفض الدخول في نقاش، تصنف القضايا التي تسبب لها الإزعاج بالابتذال والبذاءة». على مقولة بول رابينو هذه، وآخرين منهم صديقه المفكر الدكتور طلال أسد، أطلق الدكتور نعيمان عثمان سهامه وهو يحلل مفهوم (القبلية)، ذاهبا إلى أن بوادر التفكير في موضوع كتابه بدأت تتشكل في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، بناء على قراءات غير ممنهجة له، وملاحظات عابرة للمشهد الاجتماعي.

لقاء بوسطن

نقطة التحول عند الدكتور نعيمان كانت كما يقول إبان غزو العراق الكويت، حيث صار الاهتمام بالشأن القبلي من قبل الساسة كإيديولوجية معلنة، وللناس كقاعدة لتشكيل أو إعادة تشكيل الهوية. يضيف الدكتور نعيمان في تلك الفترة وخلال زيارتي لمدينة بوسطن بغرض البقاء فيها حتى تنتظم الدراسة مرة أخرى في الجامعة بالرياض، سنحت لي فرصة مقابلة فيليب خوري، وكان حينها عميدا للآداب والعلوم في معهد ماساشوستش للتكنولوجيا، طرقت الفكرة معه في حديث عابر فصادف أنه وزميل له كانا قد أتما تحرير كتاب عن «القبيلة والدولة»، وتلطف بإعطائي ثلاث مقالات في نسختها المطبعية.

كانت هناك مقالة ألبرت حوراني التي ختمت الكتاب، ومقالة ريتشارد تابر الهامة، بالإضافة إلى المقدمة التي كتبها خوري وزميله.

أسهمت هذه المقالات في اطلاعي على بعض المجهود العلمي المستجد في موضوع القبائل والدول والمجتمع العربي، وأثرت في قراءاتي اللاحقة.

بلورة

لأن الدكتور نعيمان تخصص أكاديميا في الأدب الإنجليزي، أسهمت الترجمة في بلورة أفكاره في بعض القضايا المتعلقة بالمجتمع وتنظيمه وثقافته وصلاته، وعززت - كما يقول - من الترابط بين اهتماماته الدراسية في الأدب والمسرح، اللذين انطلق منهما ريموند وليمز مؤلف كتاب «الكلمات المفاتيح» الذي ترجمه الدكتور نعيمان، والثقافة بمعناها الشامل.

يضيف نعيمان: اهتديت في قراءاتي الأنثروبولوجية بكتابات طلال أسد، لكنه يتجاوز في مسيرته مرحلة البحث الميداني والمونوغرافات إلى التنظير في مجالات فكرية وثقافية عميقة وابتكار والتزام يضعه في الصف الأول من المفكرين.

انعزال

من هنا إذن بدأت شرارة كتاب (القلية - عجز الأكاديمي ومرواغة المثقف)، الذي يقول عنه الدكتور نعيمان «في الكتاب أحاول تقصي حالة القصور الشنيع في العلوم الاجتماعية والانكفاء على الذات. في مقابل هذا القصور نجد السطوة الفكرية والعلمية التي تمثلها إلى حد ما مجلة العلوم الاجتماعية التي تصدر عن اليونسكو. وأسعى لإظهار مواطن العجز حتى لدى النخبة من المؤلفين العرب، وأتتبع مزاعم كتاب غربيين يردون عن طريق بحوثهم إجراء عمليات تنميط وتصنيف ووصم ينال كل جوانب الحياة والفكر والسلوك عند العرب والمسلمين. يجاريهم في هذا المسار بعض الكتاب العرب لأسباب متفاوتة بين حماس لجماعة أو بلد أو ثقافة، لكن هذا لا يضيف إلا مزيدا من الانصياع والانعزال».

السلطة العلمية

«لا شيء ينافس في تفاهته الدراسة الذاتية النرجسية التي تعد الآن في أماكن كثيرة سياسية الهوية، أو دراسات إثنية أو ترسيخ الجذور والمباهاة الثقافية وضرب طبول القومية»، وبهذه المقولة للمفكر الأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد، يفتتح نعيمان فصله الأول من الكتاب، حاملا عنوان «القبيلة: قيم وثقافة»، مطلقا انتقاده الأول قائلا «يبدو أن هناك اجماعا على تردي مستوى البحوث في العلوم الاجتماعية في العالم العربي، لكن نادرا ما يتعرض أي من الدراسات المنجزة لنقد متعمق، بل بالعكس تتلقى حتى الكتابات المكررة لأسماء معروفة التقريظ والتمجيد الذي يكرس من مواقعهم ويجمد أطروحاتهم، إنهم يصبحون جزءا من السلطة العلمية المثبطة لأي تغيير».

تنميط

انتقد نعيمان في كتابه عدداً من النصوص والمقالات والكتب التي تناولت القبيلة في الوطن العربي عامة، وفي السعودية على وجه الخصوص، وناقش الآراء جميعها، وكشف عن تناقضات لدى عدد من المختصين، كما كشف عن نقص في المعلومة لدى آخرين.يوجه الدكتور نعيمان عثمان في كتابه، سهام نقده بضراوة لا تخلو من حدة معرفية تجاه عدد كبير من النقاد والباحثين في العلوم الإنسانية عربا وسعوديين، يجيء في مقدمتهم حليم بركات ومحمد بن صنيتان والطيب تيزيني ومحمد عابد الجابري وحمد الجاسر وسعد الصويان وصادق جلال العظم وثريا التركي وفايز البدراني وعبدالله الغذامي ومحمد الرميحي وحسين بافقيه وغيرهم، سعيا - كما يقول - إلى إظهار مواطن العجز حتى لدى النخبة من المؤلفين العرب، متتبعا مزاعم كتاب غربيين يريدون عن طريق بحوثهم إجراء عمليات تنميط وتصنيف ووصم ينال كل جوانب الحياة والفكر والسلوك عند العرب والمسلمين، على حد قوله.

تعسف

ينال الدكتور عبدالله الغذامي من خلال قراءة كتابه (القبلية والقبائلية) نقدا حادا من المؤلف - أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك سعود سابقا – الذي يذهب إلى وصف الغذامي بأنه «شجاع سياسيا لكنه تقليدي»، العبارة التي قالها طلال أسد بخصوص صادق العظم وكتابه «نقد الفكر الديني». ويضيف «يمتدح الكثيرون جسارة الغذامي في التصريح بآرائه في الشأن الأدبي لكنه لا يمس بعض المواضيع التي يعدها (غيرتز) قريبة من السياسة مثل التعليم، خاصة في مجتمعات يتعذر فيها الحديث المباشر أو الصريح. ويقارن المؤلف بين أطروحتي الغذامي والأنثروبولوجي الباكستاني أكبر أحمد، ذاكرا أنه في بعض مقارباته يقترب من منهج أحمد إلا أنه أقل معرفة وخبرة بالغرب رغم دراسته هناك، وأنه لولا إصرار الغذامي على الزج بعبارة «ما بعد الحداثة» لكان كتابه أقرب إلى المقالات الصحفية عن القبيلة التي انبنى عليها الكتاب، الذي لا يتردد المؤلف في وصفه: (عبر الكتاب يندر أن نصادف فكرة مستقلة، فهو يعج بالمعلومات العامة أو بعض المقولات التي تم تجاوزها أو حتى الخاطئة)، كما أن الغذامي يتعسف في عقد التناظرات فعنده كل شيء يصنف في أنساق، لا يكون الغذامي (غذامي) دون أن يكون «نسقيا»، أنساقه هنا ثلاثة: فضائل الدين وفضائل القبيلة ونسق قبائلي. ويسخر المؤلف من استشهاد الغذامي ببرتراند رسل قائلا بعد تمحيص مفصل (لا يسعنا إلا أن نتساءل عن سبب اختياره لمؤلف صلته هامشية بموضوع كتابه) واصلا إلى (إن لم تكن لا المنطلقات الفكرية ولا المعرفية وراء هذا الاختيار فقد تكون سلطة رسل كعلم مشهور هي السبب).

توصيف

الكتاب المكون من خمسة فصول توزعتها عناوين (القبيلة: قيم وثقافة، الأنساب والتصنيف، الدولة والقبيلة، القبيلة: عودة أم استعادة، إقليمية، مناطقية، فئوية، يختتم بملحق صور) بدا نقديا تفكيكيا، وأظهر جهدا خارقا في المتابعة والملاحقة من خلال الكم الهائل للمرجعيات والاستدلالات التي تتكئ على مقولات ومراجع لأساطين العلوم الاجتماعية الغربيين، الذين يجيء في مقدمتهم كارل ماركس ومانهايم وميشيل فوكو، إضافة إلى استشهاد بنتاج عدد من المبدعين والروائيين العرب كعبدالرحمن منيف وجمال الغيطاني وإبراهيم الكوني ومحمد مستجاب وخالد المعالي وأمين معلوف وميرال الطحاوي.

الفلكلور

يفهم من الكتاب أن القبلية موضوع شائك في العالم العربي، متشعب بدرجة معقدة، ويزداد الأمر تعقيداً وخطورة عندما يختلط بالاجتماعي، وهو ما حلله نعيمان وهو يتحدث عن مدن الملح لمنيف وعلق عليها، كما تناول شجرة العائلة وهوس الفكتوريين بها، وعلاقة داروين بالتصنيف وشجرة النسب، تحدث عن اعتماد عدد من الكتب والمقالات على أقوال الرحالة وأوصافهم كملاحظات علمية، تحدث عن النفط والهوية في الخليج. تساءل في عدة مواضع في الكتاب كيف أصبح الانتماء القبلي هو الأصل للمواطنة في السعودية والخليج، والاستثناء هو عدم الانتماء لقبيلة، وصنع هذا تعريف المواطنة والهوية الوطنية الحديثة.

وذكر أن النظرة للتاريخ والفلكلور والعادات والتقاليد تتبدل وتتحول باستمرار وبانتقائية لتدعم التوجهات العامة، ودلل في بعض المرات بأمثلة.

نعيمان عثمان

أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك سعود

من أقدم الأساتذة السعوديين اتصالا بالمناهج الحداثية

أنجز أطروحة الدكتوراه في نظرية المسرح بجامعة وسكنسن

1977 «المسرحية: تحليل لتركيبها البنائي».

تقاعد عام 1997

مؤلفات

التعليم العالي في السعودية تقليدية يعززها ولع بالتكنولوجيا والأعمال

تربية من دون تعليم

بؤس الصحافة ومجد الصحافيين

محاكمة كافكا الأخرى «ترجمة»

الكلمات المفاتيح - معجم ثقافي ومجتمعي «ترجمة»