من المرويات الحديثية قول سيدنا محمد عند حكايته عن أخيه سيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام: «لَيْسَ الْخَبرُ كالْمُعَايَنةِ»، وربما نجد معنى العبارة في قول أمير المؤمنين الفاروق، للصحابي الجليل تميم الداري، رضي الله عنهما، «مَا مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ»، في قصة مشهورة بينهما، ومن الأمثلة المتواترة: «ليس من رأى كمن سمع»، وقد وجدتُ البداية بهذه المأثورات خير مفتاح لموضوع مقالي.

مع زملاء كرام من أعضاء الجمعية الرائدة (الجمعية السعودية لكُتاب الرأي)، قضينا أياما رائعة في رحاب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ـKAUSTـ وبضيافتها وبعناية منسوبيها المميزين، ووجدناها كما تمناها مؤسسها، وصاحب رؤيتها، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله تعالى، عندما قال عنها مقولته الشهيرة: «نأمل أن تكون جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية منارة من منارات المعرفة، وجسراً للتواصل بين الحضارات والشعوب، وأن تؤدي رسالتها الإنسانية السامية»، ففي 1000 يوم بنيت المدينة الجامعية، وعلى وجه فيه كل المراعاة للمواصفات العالمية، وكامل الإثبات على أن المصاعب يمكن تخطيها إذا تضافرت الإرادة مع العزم والإيمان بالقدرة على ذلك، وما شاهدناه على الأرض يؤكد أن ترويض الإنسان للصعاب ممكن، وتحقيق الطموح ليس بالأمر العسير.

دواعي الفخر بجامعة (كاوست) لا يمكن حصرها، ومجال الكتابة عن ذلك لا يمكن أن يستوعبه مقال، ولا أن يحيط به كاتب، ولعل التنويه إلى أن الجامعة تمتلك مجتمعا دوليا معرفيا وفكريا مميزا، أمر لا اختلاف عليه، فقد تجاوزت حدود جنسيات الدارسين فيها، إلى معلميهم، وموظفيها، الذين أتوا ويأتون إليها من خلفيات وثقافات مختلفة، وكلهم يحملون معهم مناهجهم المختلفة، ويملكون الجرأة لتقديم كل جديد وقيم، يصنعون به التغيير في مجالات العلوم، وتقديم معرفة جديدة، يمكن أن يكون لها ثقل وتأثير كبيران وسط شبكة الابتكار العالمية، وخدمة المجتمعات العالمية على أكمل وجه، ولمحبي الأرقام، أذكر أن الإحصائية الأخيرة في شهر 9 من العام الميلادي الماضي تذكر أن الجامعة يدرس فيها 1000 طالب وطالبة، وعدد الموظفين 2200، وتخرج منها 1500 خريج، وحققت المركز الأول بين جامعات العالم لأربع سنوات متتالية، في فئة الاستشهاد بأبحاث هيئة التدريس الذين يبلغ عددهم 151، وفي رصيدها 708 ابتكارات، و105 براءات اختراع.

أختم بأن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية تحتاج لكي تستمر في ركاب الجامعات العالمية الرائدة، أن تواصل التزامها الدؤوب بالتميز في تعليمها وأبحاثها، ومواصلة تمكين الدارسين فيها من تحقيق شغفهم، وأن توصل حبالها مع من حولها، وأن تخرج من نهج التعتيم الإعلامي الذي اختطته لنفسها، والذي لم يعد يناسب المرحلة الذهنية القديمة الخاطئة التي كانت تظن بالجامعة ظن السوء، وها هي اليوم تثبت للكل أنها جامعة بلا تحرشات أو مفاسد، وأنها أصبحت مُصدرة للمعارف والعلوم، وأن مخرجاتها لا تبحث عن مجرد النجاح، بل عن السعي إلى التغيير، وصولاً إلى أن تكون ركناً أساسياً في بناء مستقبل متوافق تماماً مع متطلبات رؤية 2030 المبدعة والمبهرة للعالم أجمع، وأن تحمل على عاتقها رسالة عظيمة لمستقبل وسمعة هذا الوطن، بدعم كامل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورعاية تامة من ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، جعلها تحلق في تحقيق أهدافها السامية، وفي مقدمتها الجانب البحثي، والأبحاث العلمية الدقيقة، والتي يعرف من يفهم طبيعتها أنها تتطلب فترة زمنية حتى تتبين نتائجها، وتنضج ثمارها، ويستفيد منها العالم كله، بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس أو الجنسية.