في مقالة علمية كلاسيكية بعنوان (الدورة الحياتية للمكاتب) كتبها أنتوني داونز، وترجمها الدكتور سالم القحطاني. تحدث الباحث عن أن تكوين المكاتب أياً كانت (منظمات - هيئات - وزارات...إلخ)، يمر من خلال أربعة أبواب، الأول: أن يحوّل المتحمسون والمؤيديون لشخصية قيادية أفكار المكتب إلى هيكل بيروقراطي لزيادة نشر رؤاه. الثاني: أن يُنشأ المكتب عمداً من لا شيء، وذلك لأن مجموعة من الناس ترى أهمية وجوده كالمكاتب الحكومية. الثالث: أن ينشأ المكتب نتيجة للانفصال والانسلاخ من مكتب قائم. الرابع: أن ينشأ المكتب نتيجة لمغامرة تجارية، وذلك بعد أن يتلقى دعماً كافياً للتأسيس رغم عدم علاقته بالسوق القائمة.

الهيئات السعودية المنشأة بعد الرؤية باعتقادي أنها تحمل وجهين للإنشاء، وجه من النوع الثاني، ووجه من النوع الثالث، أي أن بعضها أنشأ بالعمد من العدم، وذلك لرؤية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في أهمية إنشائها ككيانات أساسية، والتي ترى فيها أنها ستخدم المرحلة التي نعيشها اليوم، وبعضها الآخر جاء كنتيجةٍ حتمية للانفصال عن وزارات قائمة للعمل بمعزل عن بيروقراطية العمل الحكومي العتيد.

ويكمل الباحث مقالته، فيقول: إن هذه التكوينات لا بد أن تشترك في ثلاثة أمور:

أولاً: إن المؤيدين والمتحمسين هم من سوف يسيطرون على المكاتب الجديدة حتى في تلك المكاتب التي تنشأ لأهميتها (المكاتب الحكومية)؛ لأن أصحاب القرار لن يثقوا إلاّ بالمتحمسين، وأنصار الفكرة التي تم إنشاء المكتب أو المنظمة من أجلها.

ثانياً: أن هذه المكاتب لا بد أن تصارع من أجل الاستقلالية حتى في حالات المكاتب الحكومية التي تندرج تحت التكوين الثاني، فإنه من الواجب على المتحمسين المسيطرين على المكتب أن يصنعوا انطباعاً لدى السياسيين الذين يتحكمون بالموازنة المالية، وذلك بأن يروا أن وظائفهم تولّد الدعم السياسي للمنشأة أو أنها تلبي الاحتياجات الاجتماعية الحيوية في البلد.

ثالثاً: أن بعض المكاتب لا تعتبر مستقلةً بمجرد الإعلان عنها بل يتوجب عليها أن تصل إلى ما سماه بـ(عتبة البقاء المبدئية) التي يرى الباحث أنها المرحلة التي يصل فيها المكتب إلى أن يبلغ حجماً كافياً يمكنه تقديم خدماته المفيدة والناضجة، وكذلك بأن يصل إلى مرحلة يكون قد أسس فيها علاقات روتينية مع عملائه الرئيسيين. وهذه المرحلة أو العتبة هي موعد إعلان الولادة الرسمية للمنظمة.

أيها السادة من قادة ومسؤولي الهيئات والمراكز الوطنية السعودية: أعتقد أن فهم هذه الفلسفة الإدارية للتأسيس واجبة ومهمة، حيث من الأهمية بمكان أن ترتكز مؤسساتكم على تلك المشتركات الأساسية التأسيسية؛ لأن فهمها وإدراكها سوف يساهم في كثير من النجاحات الأساسية التي أنشئت جهاتكم من أجلها، وكذلك سوف يبعدكم عن التشتت في الوصول لأهدافكم الحقيقية.