عندما ورد اسمي في سجلات السفارة الأمريكية بالرياض -بترشيحٍ ممن أقدر وأحترم- للانضمام إلى نخبة محدودة لزيارة أمريكا في برنامج مُعدّ بعناية. سألت نفسي وحق لي أن أسأل: ما الذي يدعو دولة عظيمة كأمريكا إلى استضافة أناس من كل أصقاع الأرض؟

عندها، بدأت معي رحلة التفكير الحقيقي والاكتشاف النوعي لهذا البلد المليء بالمنجزات، والغني بالأحلام التي لا تعرف المستحيل، كما قال مارتن لوثر كينج «I have a dream»، أنا لدي حلم.

ومن الحلم إلى الواقع تنقلنا التجربة عكس عقارب الساعة، لنلتقي بشعب أشغل شعوب العالم بكل طموحاته وإنجازاته، التي ما كانت لتتحقق لولا وجود نظام يضبط إيقاعها ويوجه بوصلتها. فالسلطة الفيدرالية التي تعطي الأهداف العليا هي نفسها التي أتاحت كل الخيارات، ومنحت كل الحريات كيف؟ لا أدرى. ولا غرابة، فالشعب الأمريكي نفسه لا يدري!.

يحسن بي في هذه العجالة أن أعرفك سيدي القارئ بهذا البرنامج المسمى «الزائر الدولي»، الذي بدأ إبان الحرب الباردة، بين أمريكا وروسيا، وكان يركز على الاتحاد السوفيتي، ثم أخذ -بعد ذلك- بُعداً رسمياً سياسياً واجتماعياً، كأحد أهم أدوات الدبلوماسية الأمريكية، لكسب ود الشعوب ومؤثريها وقادتها.

سياسة كهذه، أكسبت الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا من المحبين المخلصين والمتطوعين الجادين، ولا غرابة من اختيارهم المميز للقادة والمؤثرين في بلادهم، ليصبحوا جزءا من المعادلة الصعبة التي ترتكز على تبادل المنافع وتغليب الحقائق، على جموح العاطفة وميل الفضول.

قد تكون محصلتي الثقافية والعلمية السابقة ومعرفتي بالشعوب حالت دون تقمص الدور، مما حدا بي إلى الغوص في العمق الأمريكي دون وسيط، لأكتشف لاحقاً حقيقة لا مفرّ منها، ذكرها أوليج كالوجين جنرال المخابرات الروسية، واصفاً هذا البرنامج بحصان طروادة للدبلوماسية الأمريكية.

ولكن دعوني أوضح هنا فهمي لهذه المقولة التي أعتقد أنها فُسرت خطأً لعدة عقود، بأنه يقصد أن أمريكا توجّه زوارها لما تريد منهم أن يروه، وهذا مجانب للصواب، فالواقع الذي رأيت يدل على عكس ذلك، فحصان طروادة الحقيقي الذي تراهن عليه أمريكا، هو الشعب الأمريكي، الذي لا يدع لك مجالا لتكرهه، ولا أدل على ذلك من تخصيص جزء كبير من البرنامج لزيارة الشعب الأمريكي بكل طوائفه وطبقاته.

وبزعمي أني خبيرٌ بالشعوب ومتخصص في طرق تفكيرهم أقول: نجحت أمريكا في تسخير الإمكانات كافة لخدمة هدفها ومشروعها بكل الذي تؤمن به، ولأن شعب السعودية -حقيقةً- ينشر الحب ويحب السلام بطبعه، فلماذا لا يتم العمل على برنامج مماثل له بصبغة وطنية، يجعل للسعودية محبين مخلصين ومدافعين صادقين في كل أنحاء العالم؟.

بالمختصر «لماذا لا يكون سعوديّا».