استبشر الوسط الإعلامي بمستوى الوعي بأهمية الصحافة لدى حامل حقيبة الإعلام الجديد الدكتور ماجد القصبي. فرح كثيرون ممن يمثلون صحافة وطنية حقيقية. وضع الرجل يده على الجرح. لا إعلام يواكب طموحات الوطن والمواطن. ولا إعلام يوازي التطلعات والخطط المرسومة على المستوى المتوسط والبعيد. لا نملك أدوات من شأنها إيصال رسالة الوطن للرأي العام في الخارج. أسمع بكلماته الحضور ومضى. لسان حال أبناء الوسط الإعلامي ردد.. أخيرا هناك من بات يُشاركنا الرأي، والهموم، وربما التطلعات.

تنفس كثير ممن قضوا جُل حياتهم في هذه المهنة الشيقة، وخرج الغائبون من عزلتهم. فرحوا بعد مقطع مصور للقصبي خلال حضوره منتدى الإعلام السعودي قبل توليه وزارة الإعلام. لم يُدرك الوزير حينها أن ما تفوه به ذلك المساء سيكون عاملا دافعا لصحفيين سئموا واقع الإعلام برمته، ليس كرها، بل يأسٌ مما آلت إليه الأمور. بكل أسف غابوا عن المشهد مجبرين لا مُخيرين. قد يكون للغياب أو الابتعاد عدة اعتبارات. أهمها أن واقع الإعلام وتحديدا «الصحافة الورقية» بات طاردا، وأن ما يسمى بـ«الصحافة الإلكترونية، ومواقع التواصل» أخذت موضع الإعلام بالعموم، وأن المرحلة قد تجاوزتهم. لم يملكوا أو «نملك» إلا التقهقر والابتعاد والبحث عن فرص أخرى بعيدا عن ممارسة ذلك الشغف اليومي.

وأما إذا آمنا بالفكرة وسلمنا أنفسنا إلى الوضع الحديث، ونظرنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، فسنجد أنها تضج بالغث والسمين، وتمثل نوافذ تسودها حالة من عدم الانضباط والتخبط، الذي يقترب في صور عديدة من «السقوط الأخلاقي» على الأصعدة كافة، بالتجني على مهنة الصحافة. حالة الموت الصوري التي فرضتها تلك المواقع وحتّمت «شكليا» غياب الإقبال على الصحافة الورقية «الرصينة» يترتب عليها عدة سلبيات، أولها غياب المسؤولية في الطرح، من خلال فتح المجال لواقع غير مسؤول، نظير غياب القانون عن ضبط تلك المساحة الواسعة. وثانيها فتح المجال للقفز على هذه المهنة العظيمة. وهذا في حد ذاته خطر مُحدق، إذ يمكنني القول إن ثمة وبكل أسف من بات واقعيا «إعلاميا» بالوصف وليس بالعمل. أقصد هنا من يُسمون بـ«مشاهير» السوشيال ميديا. حالة الفراغ التي شكلها غياب الإعلام الحقيقي، خلق لهم أرضية خصبة كبروا وتناموا عليها. لست من الكارهين لكن في الداخل غصة كوني ابناً لهذه المهنة الشريفة. ركوب قارب الإعلام لتحقيق «النفع المادي الشخصي»، على حساب الإعلام الوطني المسؤول أمر مُخزٍ. فأولئك «النفعيون» وللأسف المدعومون من جهات حكومية واضحة للعيان، أسهموا في تراجع وتدني الإقبال على الإعلام الموصوف بـ«الرصانة» بجميع الاعتبارات، وعلى رأسها «الوطنية والأخلاقيات الاجتماعية». خلقوا «هستيريا» إلكترونية، لا تفرق بين التموضع للدفاع، أو الهجوم، على حساب تسيد اللغة «المصلحية» أو «الشخصية» فوق كل اعتبار، وشكلوا ثقافة «ممجوجة» أخشى ومع الوقت أن تلتصق بالمجتمع بأسره، هذا من ناحية. من ناحية أخرى بعيدة بعض الشيء، فمن المؤسف إذا نظرنا إلى الإمكانات المادية والبشرية، ناهيك عن التحول الهائل الذي تعيشه المملكة، من خلال مشاريع هي الأضخم حتى الساعة، لا توجد لدينا قناة أو إذاعة ناطقة بلغة أجنبية. في تجارب دول عديدة مجال للاستدلال، فروسيا على سبيل المثال والصين وألمانيا، بل حتى «الأتراك»، يملكون قنوات ناطقة باللغة العربية. ذلك ليس ترفا بقدر ما هو مفهوم يقوم على ضرورة إيصال رسائل تلك الدول للخارج.

الاعتراف بالمشكلة جزء من الحل. وفي نظري لا حل إلا بإعادة الدور للإعلام المسؤول من خلال إنعاش هذا الوسط الجريح، وإعادة القيمة الاعتبارية لمن قضوا بعضا من الحياة يستيقظون كل يوم للبحث عن بعض الآمال والآلام، لرفعها على صدور صفحات بلاط صاحبة الجلالة. لذلك فتش عنهم يا معالي الوزير. وإلى أمل جديد.