في مشهد من فيلم سينمائي أمريكي، وصلت المعالِجة إلى أحد النزلاء الهاربين من دار الرعاية الاجتماعية. شاب تخلّت عنه أسرته، مصاب بـ«متلازمة داون»، حاول الهرب مرارا وتكرارا حتى نجح أخيرا.

في سياق قصة الفيلم، التقى بشاب «طيب القلب»، كان هو الآخر هاربا من عصابة كادت أن تقتله، فتقاطعت خطوط رحلة الشابين حتى التقيا، وأجبرتهما الظروف أن يتعايشا معا، ليساعد كلاهما الآخر في الهرب إلى خارج الولاية.

ولأن هذا الشاب «طيب القلب»، تعاطف مع شريكه المصاب بـ«متلازمة داون»، قرر مساعدته على تحقيق حلمه بأن يصبح ملاكما مشهورا، ويتعارك مع نجمه المفضل في لعبة الملاكمة، وبدأ رحلة قاسية من التدريب، خلال أوقات يتخللها خوف الهرب ونكهة المغامرة البرية.

ورغم أن مصاب «متلازمة داون» كان في دار للرعاية الاجتماعية، أي أنه «يأكل ويشرب وينام ويلعب بالمجان»، إلا أنه رفض أن يستبدل حياة البرية المحفوفة بالمخاطر، خصوصا لمن هو في حالته الصحية، بحياة دار الرعاية الملائمة جدا لظروفه الصحية والاجتماعية.

مربط الفرس، أن هذا المرافق «طيب القلب»، رد على المعالِجة بجملة واحدة، بعد أن قالت إنها ستتصل بالشرطة لتبلغ عنهما كهاربين، وتضيف تهما بالاختطاف في حال لم ينصاعا لأوامرها بعودة المصاب إلى «دار الرعاية الاجتماعية» فورا، وبعد أن بدأت في شرح تفاصيل المغامرة على رحلة نزيلها هذا، ردا عليها مرافقه «طيب القلب» ردا غريبا: «يا عزيزتي لقد حاولتِ منذ ولادته أن تعالجيه بالأوراق ولم تتغير حالته، فلم لا تتركيه للحياة فقد تعالجه».

يقصد أن المسؤولين عن الرعاية الاجتماعية يهتمون بتطبيق الإجراءات، لأن أعمالهم وتقييمهم مرتبط بما يتم تعبئته في النماذج والأوراق، التي ستُحفظ لاحقا في ملف هذا النزيل، وأن تكون كل خطوة تمت معه بناء على دليل الإجراءات المتبع في هذه الدور، ولن ينظر في كيفية تحويل النزيل ليكون كما يحب أن يعيش الحياة، بل التأكد من أنه سيعيش كما فصلت له القوانين، ليلبس ثوبا لا رغبة له فيه، حتى وإن كان من حوله يرونه طبقا لمقاسه.

خلاصة القول: إننا لو نظرنا حولنا بدءًا من قوانين الأسرة الصغيرة، وانتهاءً بأعلى القوانين المجتمعية، والتي طبقت على أساس أن المجتمع وكأنه فرد واحد، بلا فروقات اجتماعية أو قدرات فردية، أو حتى شغف يشتعل بين أضلع الشغوف بالحياة بين فترة وأخرى، لنجد أننا إن تعايشنا بناء على ما نحبه سيجعلنا ذلك أقوى مما نتخيل أو نتصور، لأننا عشنا حياتنا كما تحب لنا الحياة، ولذلك فإننا بحاجة من يذكرنا بقوله: «إن لم تعالجك الأوراق فقد تعالجك الحياة».

زاوية الدائرة