تمثل الأعراف القبلية خاصة تلك المتعلقة بالصلح، ثقافة راسخة غرستها في الأفئدة العادات والتقاليد القديمة لدى المجتمع القبلي لم يستطع أحد التخلص منها حتى تحولت -حسب تعبير الناس- إلى قوانين قبلية نافذة، بدواعي فك ومنع الشر ووقف الثأر بين الأفراد والقبائل، على الرغم من مخالفة بعضها لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف في كثير من أحكامه بل إن مقولة «حكم أعوج ولا شريعة سمحة» أصبحت تتداول في مواقف الصلح القبلي، من باب الوصول إلى حلول عاجلة على حساب التطاول على أحكام الشرع القويم، ولعل المتاجرة بالدماء والتي تجاوزت الديات فيها مئات الملايين، خير مثال، وما يترتب على ذلك من تراكمات سلبية على المجتمع القبلي بشكل عام وأصحاب القضايا بشكل خاص.

سلوم القبائل

عرفت بعض القبائل منذ العصر الجاهلي بسلومها فيقال سلوم قبيلة آل فلان، وبعض زعماء القبائل عرفوا أيضا بسلوم خاصة بهم لا تزال بعض القبائل متشبثة بها حتى يومنا هذا من باب كونها إرثا لا يمكن التخلي عنه وبعضها يحمل في ثناياه صفات حميدة من الشهامة والمروءة، أصبحت واقعا وقوانين مسلما بها، ومن خرج عنها ولم يطبق أحكامها يطلق عليه في العرف القبلي عايبا أو أسود وجه من قبل «المعاديل» ومقاطع الحقوق أو العارفين بها أو ما يعرف «بالعدول» مع اختلاف مسمياتهم في مختلف مناطق الجزيرة العربية.



قانون القبيلة

ما أن تقع المصيبة كما تطلق عليها القبائل حتى يبدأ المعنيون بتنفيذ قانون القبيلة في تطبيقها على عدة مراحل تبدأ بـ:

الثأر

«المثار» الانتقام من قبل المجني عليهم من الجناة بتأييد كامل أفراد القبيلة.

الجيرة

«الإجارة» وهم ما يعرف في قانون القبيلة بإعطاء الوجه وردية الشأن، حيث يلجأ الجاني في قضية دم أو عرض أو أي مظلمة أخرى ويسمى «دخيل الدم» فتقدم له القبيلة المساعدة والأمن، يتزامن ذلك مع لجوء قبيلته إلى ما يعرف بمرد الحق أو المقارع ومشايخ القبائل أو لدى العاني، ويضعون بنادقهم للحق بشرط أن يكونوا في وجوههم وهم معقلون الأربع على حد زعمهم حتى يأخذوا حقهم وفق العرف القبلي، وبعض القبائل تجير الجاني لعدة شهور بما يهدد الأمن.

الجاه والقبول

يقوم العدول بتوثيق المواقف بين الطرفين قبل أي خطوة، حيث يختار أهل الجاني قبيلا من قرابة المجني عليه يضمن التزام قرابته بالحكم القبَليّ، ويعطونه مالاً يسمى ثوب القبالة، وسلاحاً يرمز إلى القوة، وتعلن قرابة المجني عليه قبول قبالة قريبهم عليهم.

إصدار الحكم

ما أن يتم توثيق المواقف حتى يقوم العدول «مقارع الحق» بتحديد يوم تجتمع فيه جموع القبائل ويتقدمهم مشايخ ورموز القبائل إلى منزل المجني عليه ويتخلل ذلك كلمات وعبارات تودد واستعطاف من قبل المشايخ تجاه قبيلة المجني عليه ولا يسمح لأفراد قبيلة المجني عليه بالحديث إلا بعد القبول بالحكم وثم العفو ويتخلل تلك المواقف ما يعرف برمي الجيهان من بشوت وغتر وعقل بين أرجل أفراد قبيلة المجني عليه، وفي قضايا الدم يتم ربط عدد من أفراد قبيلة الجاني ويحبون على الأرض بهدف الحصول على العفو، وينفض الموقف برفع الرايات البيضاء من جموع القبائل للعافين والذين قبلوا بالحكم القبلي غير مبالين بفداحة الحكم من مبدأ قانون «أنتم الشفرة ونحن الهبرة» «حكمكم بروسكم» «لا يردك إلا لسانك».

الغرم والجرم

هو عرف قبلي ضمن ورقة رفقة أي قبيلة، حيث يتحمل أفرادها حمل الدية أو الحكم الذي أصدره «القضاة القبليين» العدول ويقسم عليهم المبلغ بالتساوي وإذا عجزوا عن حمله كونه مبلغا كبيرا فإنهم ينصبون الخيام ويستقبلون معونات جميع القبائل حتى يجمعوا المبلغ بالكامل ويسلموه لمن قام بدفع المبلغ في موقف الصلح، ومن يمتنع فإنه يتحمل وزر ذلك من قطعه ونهره بأسوأ الصفات كعبارة «أسود الوجه» والمقفي مخلي رفيقه.

قوانين جائرة

استغلت هذه القوانين القبلية من قبل البعض وهم قلة من تجار الدم في رفع سقف ثمن الإصلاح إلى عشرات الملايين من الريالات بل إن بعضها تجاوز 100 مليون ريال، مما أثقل كاهل القبائل بما يتعارض مع أحكام الدين الإسلامي الحنيف، وقطعت القبائل إلى فرق وأحزاب ووصل الأمر إلى التناحر داخل القبيلة الواحدة وقطع الرحم لعقود من الزمن بسبب امتناع أفراد القبائل من الدفع والمساهمة كونهم غير راضين بتلك الأحكام أو لا يملكون المقدرة على الدفع.

انقلاب القبائل

مع خروج بعض مواقف الصلح عن إطارها القبلي المتعارف عليه منذ القدم والقائمة على التوازن وعدم المبالغة في الأحكام والتي تحولت إلى تجارة بالدم والمواقف حتى أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي والأمن الوطني، ومع هذه المبالغات والتغيرات المخالفة للشرع والعرف، رفع عدد من مشايخ القبائل في منطقة عسير وثيقة إلى إمارة المنطقة يطالبون بوقف هذه الأحكام والحد من هذه الظاهرة التي أثقلت كاهل أبناء القبائل.

منع الجيرة

أصدرت إمارة منطقة عسير توجيه لمشايخ القبائل بعدم قبول ما يسمى «الوجه والجيرة» غير المقبولة، لمنع انتشار هذه الظاهرة التي تمس أمن الدولة، ويرجع السبب في ذلك، أن هذه القضايا تنحصر في تطبيق ما صدر من توجيهات سامية وتعليمات وزارية واضحة لا تقبل الاجتهاد. كما يجب معرفة حيثيات هذه القضايا وملابساتها عبر القنوات الرسمية المختصة بذلك.

كما وجهت الإمارة في وقت سابق بمنع التحاكم بالأعراف القديمة و»المعاديل» المعمول بها في حل الخلافات والنزاعات بين القبائل، وجرى توجيه المحافظين ورؤساء المراكز بأخذ التعهد على مشايخ القبائل والنواب والمعرفين بألا يتم حل النزاعات والمشكلات التي يجب أن تحكم عن طريق الشرع إلا عن طريق الجهات المختصة، وعدم تجاهل هذا الأمر مستقبلاً.

جاء ذلك بعد ملاحظة بعض الظواهر الاجتماعية التي تتمثل في اعتماد القبائل على «المعاديل» والأعراف القديمة في حل المشكلات والخلافات والمضاربات، ويعرضون من أجل ذلك مبالغ خيالية لا تتساوى مع الحدث كما تفضل بعض القبائل تلك الأعراف على الاحتكام للشرع.

الشريعة السمحة

الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - أفتى في رده على حكم العمل بأعراف القبائل وعاداتها؟

«أن ما كان يُوافق الشرعَ من الصُّلح فلا بأس به، وما كان يُخالف الشرع فهو الذي فيه التَّوجيه والتَّحذير، حتى لا يفعلوا ما يُخالف شرع الله المُطهر».

وقال: إن هذه القوانين التي يعتادها الآباء والأسلاف والعادات التي يعتمد عليها بعضُ الناس يُنْظَر فيها، وتُعرض على الكتاب والسنة، فما وافق الكتابَ والسنةَ قُبِلَ منها، وما لم يُوافق ذلك يرد على أهله، ويُنصحون عنه، فإذا كان ما بينهم من عادةٍ لا تُخالف الشرع؛ كأن يتوجهوا إلى المُعتدى عليه ويطلبوا منه المُوافقة على السماح والصُّلح بينه وبين أخيه بمالٍ يُبذل من أخيه، أو من القبيلة؛ حتى لا تقع بينهم فتنةٌ؛ لأنه تعدَّى عليه –ضربه، أو قتل ولده، أو قتل أخاه، أو ما أشبه ذلك- إذا توجَّهوا إليه بالصلح، وأن يُقدِّموا إليه ما يُرضيه من مالٍ، أو يجمعوا له من القبيلة ما يُرضيه من المال، أو يصنعوا طعامًا ويدعون القبيلة وهو معهم ليسترضوه ويستسمحوه؛ فهذه أمور ليس فيها شيءٌ، إنما الذي يُخشى منه هو ما يُخالف الشرع المُطهر. فإذا كانت العادةُ أو الصلحُ على وجهٍ لا يرضاه الشرعُ ولا يُقرّه الشرعُ، فهذا هو الذي يُمنع من عادات القبائل وسوالف المشايخ القديمة.