أعرفُ كثيرا من الأصدقاء حين ألتقيهم يبدون رغبتهم الجادة في مغادرة «تويتر»، بعد أن أصبحت أجواؤه خانقة، وملوثة بمشاهد مقززة ومخجلة، وبتغريدات فيها من العبارات الجارحة والخادشة، تغريدات لا تخلو من القذف والشتم والاتهامات والرسائل المبطّنة والتهديد والوعيد، وفوق هذا مئات المقاطع المرئية التي تظهر إلى أي حد وصلت همجية بعض الناس وقسوتهم وسذاجة طرحهم، فمن مقاطع تعذيب الحيوانات، إلى مقاطع لمن يمارسون الوعظ بطريقة متشنجة ومنفرة قد تؤدي إلى عكس ما يريدون الوصول إليه، إلى مئات المقاطع التي تظهر لأي حد وصلت السذاجة والسخف في الحوار وإبداء الرأي والاختلاف، إلى مئات المقاطع التي تظهر كيف يكون التفنن في تخريب البيئة والاعتداء على الطبيعة والحيوان. وليت الأمر توقف هنا، بل وصل بنا الأمر إلى مقاطع استعراضات الجسد والرقص واستفزاز المجتمع وتحدي قوانينه وعاداته، والمصيبة الأخطر هي مئات الحسابات المجهولة التي تروج للجنس والصور الإباحية والأدوية الجنسية التي يراها الصغار والكبار معا، هذه الأجواء السيئة جعلت فكرة قبول واقع تويتر والتعايش معه عند العقلاء فكرة صعبة، في ظل هذه السجالات والحوارات والطروحات والتغريدات التي تقدم دروسا مجانية في البذاءة والفساد والشتيمة، حتى إنها لا تدع للعاقل فرصة أن يفكر في البقاء داخل ساحة تويتر مهما كانت جاذبيته، إضافة إلى كل هذا ظهور شللية تويتر الذين يمارسون قاعدة الجزار «أمسك لي وأقطع لك». حقيقة لقد تحول تويتر والسناب بصفة خاصة إلى منصة للمناحرات لا المحاورات، وإلى حلبة مصارعات كلامية، جعلت العاقل يحنّ إلى لحظات من راحة البال وهدوء الأعصاب يوم كان يقضي ساعاته بصحبة جريدة أو كتاب، أو مع برنامج إذاعي يتهادى إلى سمعه وهو في هدوء، وأجواء رائقة لا يشبع منها، خالية من الإسفاف الذي نراه في وسائل الإعلام الجديد.

ويبدو لي أن هذا نتاج للفهم الخاطئ «لحرية التعبير» عند بعضهم، سواء كان التعبير بمقطع مرئي، أو من خلال تغريدة مكتوبة قد لا تزيد أحرفها على 150 حرفا، فحرية التعبير ليست -كما يفهمها بعضهم- أنها تعني الإساءة والشتم والانتقاص وممارسة النقد غير الهادف لأشخاص أو جهات حكومية أو مدنية، أو التعرض لهذه القبيلة أو تلك، وكأن الانتصار لقبيلته لا يمر إلا عبر طريق الانتقاص من القبائل الأخرى، وليست الحرية استفزاز المجتمع في التعرض للدين أو العادات والتقاليد أو لرموز المجتمع، كي يقال إنه جريء وصاحب رأي، ومفكر كبير، وناقد مغوار، يجب أن يفهم كل متجاوز حدود حرية التعبير، أن دولتنا ستبقى حامية للدين، فهي قلب العالم الإسلامي، كما هي حامية للأخلاق وأمن الوطن والمواطن.

كلنا يعلم خطورة الكلمة، فكم واحد قال كلمة، أو كتب تغريدة، أو سجل مقطعا مرئيا أو صنع هاشتاقا أو روّج لإشاعة بهدف الفتنة، فلم يحسب حساب عواقب ما أقدم عليه، فأدخل نفسه في مشكلات قد لا يخرج منها إلا عن طريق المحاكم، هذا حساب الدنيا، ولكنه يغفل عن حساب الآخرة، فما قاله بلسانه، أو ما كتبه بيده، أو ما سجله من مقاطع فيديو، جميعها سيلقاها في كتاب عند ربه تنتظر ساعة الحساب «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون»، وقوله تعالى «ووضع الكتاب فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدا».