على مر العقود الماضية كانت أرامكو السعودية مثال يحتذى به في إدارة أزماتها والتعامل معها باحترافية عالية، متكأه على سواعد كوادرها "الوطنية" التي نجحت الشركة في بناء وغرس الولاء الوظيفي في نفوسهم مما جعلهم يلقبون بـ "الأرامكاويون"، ولعل آخر أزمة تعرضت لها الشركة هي الهجمة الإرهابية التي تأثر بها معملا بقيق وخريص، وانعكس على تأثير إمداد العالم بالطاقة ولكن بسواعد الـ "الأرامكاويون" استطاعوا أن يقدموا نموذجاً في التفاني والعمل الفريد لإعادة تشغيل المعمل في فترة زمنية وجيزة وإعادة إمداد العالم بالطاقة.

بالأمس، الشركة مرت بأزمة مختلفة من نوعها لا تقل أهمية عن سابقها، كادت أن تؤثر على هويتها وصورتها أمام الجمهور، بعد أن أثارت الصور الملتقطة في أحد مواقع الشركة، ضجة كبيرة، حيث أظهرت رجلا يحمل عبوة كُتب عليها بالإنجليزية "Hand Sanitizer" أو مُنظف الأيدي، بحيث يمكن لبقية العاملين في الشركة والزائرين تعقيم أيديهم، وذلك كإجراء احترازي ضد فيروس كورونا.

إدارة التواصل المؤسسي في الشركة أمسكت بزمام الأمور، وتحولت إلى إدارة إطفاء لهذه الأزمة وعلى الفور أعربت، في بيان نشرته عبر تويتر، عن "استيائها الشديد من التصرف المسيئ الذي أريد به التأكيد على أهمية التعقيم، دون أخذ موافقة من الجهة المعنية بالشركة"، مؤكدة أنها قامت على الفور بوقف هذا الفعل واتخاذ إجراءات صارمة تحول دون تكراره.

جملة من الخطوات التي قامت بها إدارة التواصل المؤسسي في الشركة فبعد أن تحلت بالهدوء جراء سيل من الانتقادات التي طالتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت في التحري عن مصدر الأزمة والاعتراف بها وهو ما سيقلل مواصلة النقد والتشفي، عبر فضاء إلكتروني يمنح الجميع الحق في الانتقاد بسبب أو بدون، كما أنها نجحت في دراسة عواقب الأزمة وهل لها آثار مباشرة على الشركة وعلى علامتها التجارية والنقطة الأهم تحديد موقف ورسالة الشركة، من هذه الازمة، والتي كانت واضحة، ثم اختارت الوسيلة الإعلامية المناسبة ولأسرع لها وكان ذلك عبر حسابها في تويتر، لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة، ثم بدأت في رصد ومراقبة ردود الفعل، خطوات متسارعة أسهمت في إطفاء هذه الأزمة بنجاح يدرّس من موظفي إدارة التواصل المؤسسي في الشركة إلى منافسيهم في الشركات ليس الوطنية فحسب بالعالمية.

ما أود أن أقوله، ليس من السهل التعامل مع الأزمات الإعلامية، خصوصا عندما يتطلب الأمر التفاعل والتنفيذ السريع، سلسلة الخطوات التي قامت بها باحترافية إدارة التواصل المؤسسي في شركة أرامكو السعودية، ونجحت بلا شك في إطفاء هذه الأزمة خلال فترة وجيزة بسبب حنكة قياداتها وكوادها المؤهلين في هذه الإدارة التي اختارتهم بعناية واستثمرت في تطوير قدراتهم، فلا يتوقع الجميع أن تواجهه أزمة إعلامية يكون الحل بيان صحفي فقط لرفع العتب، إنها سلسلة من الإجراءات والأهم من ذلك التفاعل بشكل صحيح. بالأمس تعلمنا احترافية وحلول مختلفة جديدة من الشركة العملاقة لتترك نموذجاً يحتذى بها في إدارة الأزمات الإعلامية لباقي الشركات.