يحكى عن اثنين في قرية نائية، جلسا معا في العصاري، فقال الأول ‏للثاني ما يدخل الجنة إلا العرب، فرد الآخر لكن العرب بعضهم ‏عندهم شبهات، فرد زميله نعم لذلك لا يدخل الجنة إلا دولتنا، فرد ‏زميله بعض المناطق في الدولة عندهم عدم التزام ولديهم مخالفات، ‏فرد الآخر: صدقت، إذن لا يدخل الجنة إلا منطقتنا، فرد زميله لكن ‏بعض منطقتنا عندهم معاصٍ، فرد زميله صدقت لا يدخل الجنة إلا ‏مدينتنا، فرد الآخر، ترى أهل المدن فيهم قل دين، فرد صاحبه ‏صدقت، لا يدخل الجنة إلا أهل قريتنا، فرد صاحبه ترى جيراننا ‏أولادهم فيهم مخالفات، فرد صاحبه: صدقت، ما يدخل الجنة إلا أنا ‏وأنت، فرد صاحبه، بس أنت بعض الأحيان فيك كسل، ما يدخل الجنة ‏إلا أنا!!.‏

هذه القصة التي نرجو أن تكون خيالية، تلخص واقعا للأسف، تشرح ‏تشدد البعض في الأمور، وكيف يقود للتنطع والتطرف في الرأي، ‏وهذا قد ينطبق على عدة مجالات! دعونا في البداية نتفق على مبادئ ‏معينة، الشعب السعودي كله وطني، والشاذ لا حكم له.‏

المبدأ الآخر، أنه لا يوجد هناك من يحتكر الوطنية أو عنده الحق ‏بتصنيف الوطنية حسب مزاجه، فالوطنية ليست صكوك غفران ‏لأحدهم في تويتر، يوزعها على الناس. ‏

الحكومة لم تعط أيا كان الحق بتصنيف الوطنية في تويتر أو في ‏وسائل التواصل الاجتماعي. ‏

أرى في تويتر في بعض الأحيان، تكتب تغريدة أو تغريدتان لشخص، ‏ويبدأ الهجوم عليه!. وعندما أراجع أجد أن لديه أكثر من 50 ألف ‏تغريدة جيدة أو عادية، فإما أن الرجل تغير خلال هذه السنوات، لأن ‏الجماد فقط الذي لا يتغير، وربما نضج. أو أن التغريدة مجتزأة من ‏سياق ما، يحاول شرحه مثل الذي يجتزئ (ولا تقربوا الصلاة)، أو أن ‏الموضوع فيه شيء شخصي نكتشفه لاحقا من القصة... إلخ.‏

أرجو من الجميع ترك سياسة القطيع، والنظر لمن يحاول أن يؤلب ‏الناس على أي كان، بأن ينظر للأمور بحيادية.‏

تويتر ليس مكانا لتصفية الحسابات الشخصية، بل رأينا بعض الذين ‏كانوا أصحابا ويتشدقون بالوطنية، عندما تخاصموا بدؤوا يهاجمون ‏بعضهم البعض، وكل يدعي الوطنية لنفسه!‏

هذا لا ينقص أبدا من أحد أهم الأبطال في المملكة في السنوات ‏الماضية، إلا وهو (المغرد السعودي)، الذي حارب بشراسة الحملات ‏الإعلامية ضد المملكة، وكان حائط دفاع قويا ضد الحملات ‏المشبوهة، بل كشف عدة جهات وأشخاص كانوا يتلونون، وللأسف ‏كانوا يتبوؤون مناصب لا يستحقونها. المغرد الوطني أثبت جدارة في ‏كشف هؤلاء المتلونين، وحقق إنجازات كبيرة، لكن من المهم أن لا ‏أحد يستغل حماس وقوة المغرد الوطني السعودي لأغراضه الخاصة، ‏أو تصفية حسابات، أو أن يتسلق مجهوده. قبل الحماس عليه التروي ‏والعدالة والدقة والشفافية، والحكم بالمجمل لا يكون مع الموجة دون ‏تحرٍّ. والمغرد السعودي ذكي ولا تمر عليه هذه الأمور.‏

يجب أن نفرق كليا بين المغرد الوطني الصادق بدون أجندة، وبين ‏المتسلقين الذين قد يشبهون المكارثيين (مكارثي)، الذين يتهمون أي ‏أحد يختلف معهم حتى لو كان أحد أصدقائهم. أعتقد أن العقل ‏الباطني لهؤلاء المدعين للوطنية أو المكارثيين الجدد، متأثر ‏بالصحوة! هم صحويو التفكير داخليا، لأن المجموعتين تستخدمان ‏الأسلوب نفسه، الصحونج سابقا كانوا يقولون إن أي شخص ضدهم ‏هو ضد الدين، وكأنهم الدين والعياذ بالله، وهؤلاء مدعو الوطنية أي ‏واحد لا يعجبهم هو ضد الوطن، وكأنهم الوطن والعياذ بالله. وتجد ‏بعض المكارثيين الجدد ركب الموجة، ولو رجعت لتاريخه لوجدته ‏متقلبا بين التيارات، ودائما يأخذ التيار الأكثر تطرفا في كل الأمور.‏

الوطن أكبر من الجميع، وإذا نتكلم عن الوطنيين الحقيقيين وهم كثر، ‏وكمثال واحد واضح، هم جنود الوطن على الجبهة، الفرد منهم ‏يصاب ثلاث وأربع مرات، ويطالب بشدة بالعودة لساحة الشرف، ‏يحرسون الوطن والمواطنين، ولم نجد أيا منهم يوزع صكوك ‏الوطنية، أو يحتكرها كما يفعل بعض المستلقين في فراشهم، وعلى ‏جوالاتهم بتويتر. تذكروا دائما في كل أموركم أننا نحن أمة وسط!‏