الرؤية الوطنية 2030 استهدفت كل ما له شأن بضمان توطين سوق العمل السعودي، خصوصا القطاع الخاص. من المؤشرات التي تحتم ذلك استمرار ارتفاع نسبة البطالة بالمملكة، حيث رصدت في الربع الثالث من العام الماضي 2019 ما نسبته 12% وفق ما نشرته أخبار العربية للأعمال. من الحلول المنطقية التي قد تسهم في تخفيض هذه النسبة إلى أدنى مستوى ما تقوم به وزارة التعليم حاليا بإعادة النظر في آلية وكينونة كليات المجتمع. خلال الشهرين الماضيين من العام الأكاديمي 2020 عقد اجتماع لعمداء تلك الكليات استضافته الوزارة، والآخر ملتقى التحول الواعد لهذه الكليات نظمته جامعة طيبة برعاية الوزير. هذان الملتقيان كانا بمثابة نقطة التحول نحو إعادة بناء كليات المجتمع في المملكة. بنظرة تشخيصية للوضع الحالي لكليات المجتمع في المملكة تبرز لنا عدة عوامل أسهمت في ضمور دورها، فمن المنظور الاجتماعي بات معظم أفراد المجتمع ينظر لها نظرة دونية كونها تمنح درجة الدبلوم المشارك. في حين أن هذه النظرة قد تكون مجردة من فهم الدور الرئيس لهذه الكليات. أما من وجهة نظر الطلاب المرتقبين فيرون أنها كلية غير محورية مقارنة بالكليات الأخرى في الجامعات، وغير جديرة بالاختيار لتكون منطلقهم لما بعد التخرج، بل للأسف بات بعض الطلاب يسمها بـ«كلية بر الوالدين». وهذا المنظور أيضا ناجم عن تراكمات مجتمعية وثقافية عززت لدى شريحة عريضة من هؤلاء الطلاب هذا المفهوم السلبي. أما الطلاب الحاليون فيرون أنهم أجبروا على الدراسة فيها وفق نظام القبول والتسجيل في الجامعات، حيث إنه يوجه لها من الطلاب والطالبات من ليس لديه معدلات متميزة مقرونة بنتائج اختبارات قياسية متدنية. أضف إلى ذلك الضغوط الأسرية عليهم للالتحاق بالجامعة. هنا، تبرز مشكلة في نوعية مدخلات هذه الكليات التي قد تكون إحدى المعضلات أمام فريق عمل الكليات، وقد تتأثر سلبا نواتج عملية التعليم والتعلم المخطط لها من قبل إدارة الكلية والجامعة، وبالتالي مدى ملاءمة هذه النواتج متطلبات سوق العمل. أما من الناحية التحفيزية المالية فالسواد الأعظم من هذه الكلية تجرد طلابها وطالباتها من المكافآت المالية أسوة بالكليات الأخرى، مما أدى إلى تسرب كثير منهم نتيجة لذلك، في حين أنهم يتكبدون المشاق في التنقل وتكاليف السكن دون الاكتراث بمعاناتهم المالية، لا سيما تلك الكليات التي تتبع لجامعات ناشئة في مختلف مناطق المملكة في الشمال أو في الجنوب على سبيل المثال. هذه الكليات أيضا تعاني بصفة ملموسة صعوبة إقامة شراكات مجتمعية مع الجهات المانحة أو الموظفة، سواء حكومية أو خاصة، لتدني عددها في مثل هذه المناطق ولمحدودية نشاطاتها التجارية أو الصناعية، ولتدني عدد الفرص الوظيفية المتاحة من قبلهم كل عام مالي. و قد أسهم ذلك في عزوف عدد كبير من الطلاب والطالبات الحاليين عن هذ الكليات تمثلت في انسحابات مستمرة وبنسب عالية. من الأسباب الأخرى تلك المتمثلة في الإجراءات التنظيمية البيروقراطية الناجمة عن تدني المرونة الممنوحة لهذه الكليات من قبل اللجان المعنية بالموافقة على تحديث البرامج الأكاديمية، أو حتى تحديث مقرراتها بصفة دورية. من العقبات التي تقف أمام هذه الكليات تدني مستوى البنية التحتية بها، وتدني الميزانية المخصصة.

كليات المجتمع أو (بمسمياتها الجديدة: كليات الدراسات التطبيقية)، ستستعيد وهجها ودورها المحوري في حالات عدة من أهمها:

1. الإسراع في منح مكافأة مالية لطلابها وطالباتها.

2. منحها مرونة خاصة من قبل الجهات المعنية في الجامعات لتحديث برامجها الأكاديمية أو حتى مقرراتها الدراسية.

3. تجهيزها ببنية تحتية تقنية تضمن لخريجيها المنافسة في سوق العمل، والظفر بالفرص الوظيفية المتاحة.

4. استحداث إستراتيجية وطنية لإقامة شراكات مجتمعية مع الجهات المانحة والموظفة، سواء في القطاع العام، أو الخاص، أو في القطاع الثالث (القطاع غير الربحي) لتفعل دور المسؤولية المجتمعية لهذه الجهات، مما سينعكس إيجابا على الناتج الوطني غير البترولي بالمملكة.

5. منحها ميزانية مالية خاصة داعمة لتمكنها من الرفع من مستوى نواتجها التعليمية والتدريبية.

6. تكثيف برامج توعوية لكافة شرائح المجتمع لإيضاح الدور الوطني الذي تقوم به هذه الكليات تجاه سد فجوة توطين الوظائف في مختلف القطاعات، مما سيجذب مزيدا من الطلاب والطالبات وشراكات مجتمعية محلية وعالمية متنوعة.

7. ربط مخرجات هذه الكليات بمؤشرات أداء ترتبط بأهداف كل منطقة على حدة، مما سيخلق آلية من التكامل الوطني نحو تحقيق أهداف توطين الوظائف.

8. التكامل بين دور وزارة التعليم والوزارات الأخرى ذات الصلة والجامعات والمراكز الوطنية المعنية بدراسات سوق العمل بما يدعم دور هذه الكليات ويجود برامجها ونواتجها التعليمية والتدريبية.

9. منح منسوبي ومنسوبات هذه الكليات ميزة تنافسية تحفزهم لرفع مستوى الأداء والإنتاجية بها.

10. منحها مرونة لتبادل الخبرات مع الجهات المناظرة عالميا لضمان عملية التحسين المستمر في هذه الكليات.