تجري المملكة العربية السعودية، الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، ‏اتصالات مكثفة مع دول المجموعة لعقد اجتماع قمة استثنائي - ‏افتراضي خلال أيام، بهدف بحث سبل توحيد الجهود لمواجهة انتشار ‏وباء كورونا، إدراكا من المملكة بأن هذه الأزمة الصحية العالمية وما ‏يترتب عليها من آثار إنسانية واقتصادية واجتماعية تتطلب استجابة ‏عالمية.‏

القمة المرتقبة التي تسعى السعودية إلى الترتيب لها تأتي انطلاقا من ‏مسؤولية أخلاقية كبرى تشكل مكونا أساسيا من مكونات السياسة ‏السعودية تجاه عالمها ومحيطها الإقليمي، ويتضاعف الشعور بهذه ‏المسؤولية بعد تولي السعودية رئاسة مجموعة العشرين اعتبارا من ‏الأول من ديسمبر 2019، حيث تسعى القيادة السعودية إلى العمل مع ‏المنظمات الدولية بكل الطرق لتخفيف آثار هذا الوباء، من خلال ‏اضطلاع قادة مجموعة العشرين بوضع سياسات مُتفق عليها لتخفيف ‏آثاره على كل الشعوب والاقتصاد العالمي.‏

ما يبعث الأمل في الدور الإنساني الذي تقوم به السعودية هو ما ‏تحظى به المملكة من مصداقية حقيقية في خطابها السياسي، إنها ‏مصداقية تكتسب وجودها وقوتها من المواقف السعودية المشرفة، ‏والأدوار الإنسانية التي قامت وتقوم بها في خدمة قضايا الإنسانية ‏جمعاء، بلا تفرقة أو تمييز، فالسعودية التي تحتضن على أرضها ‏الملايين من الزوار على مدار السنة ما بين معتمر وحاج، تقدم ‏خدماتها الشاملة للجميع بلا أي تفرقة أو تمييز، كل من يوجد على ‏الأراضي السعودية يحظى بنفس الاهتمام والرعاية دون فرق بين ‏زائر ومقيم أو أهل البلد.‏

إنها «المسؤولية الأخلاقية» التي تتحملها السعودية بكل شرف وأمانة ‏ورضا وضمير، وهي نفس المسؤولية التي من أجلها لا تفرق يبن ‏شعب وآخر في تقديم جهودها الإغاثية، من خلال مركز الملك سلمان ‏للإغاثة والأعمال الإنسانية، حيث استفادت أكثر من 37 دولة حول ‏العالم من المساعدات الإنسانية والإغاثية والإنمائية التي يقدمها ‏المركز بالتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين والإقليميين.‏

مصداقية السعودية يجسدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن ‏عبدالعزيز، الذي وجه الخميس 19 مارس 2020 كلمة ‏شاملة بعثت الأمل والطمأنينة في نفوس السعوديين والمقيمين على ‏أرض المملكة، بخصوص جهود المملكة لمواجهة فيروس كورونا ‏المستجد.‏

قال الملك سلمان: «إننا نعيش مرحلة صعبة في تاريخ العالم، ولكننا ‏ندرك تماما أنها مرحلة ستمر وتمضي رغم قسوتها ومرارتها ‏وصعوبتها».‏

وأضاف: أن هذه الأزمة ستتحول إلى تاريخ يثبت مواجهة الإنسان ‏واحدة من الشدائد التي تمر بها البشرية.‏

وقال خادم الحرمين الشريفين: «إن المملكة مستمرة في اتخاذ كل ‏الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة والحد من آثارها، مؤكدا ‏الحرص الشديد على توفير ما يلزم المواطن والمقيم من دواء وغذاء ‏واحتياجات معيشية».‏

وصرح بأن القطاعات الحكومية كافة وفي مقدمتها وزارة الصحة، ‏تبذل كل إمكانياتها لاتخاذ التدابير الضرورية للمحافظة على صحة ‏المواطن والمقيم.‏

وأوضح الملك سلمان أن مواصلة العمل الجاد في هذا الوقت الصعب، ‏لا تتم إلا بالتكاتف والتعاون ومواصلة الروح الإيجابية وتعزيز ‏الوعي الفردي والجماعي، والالتزام بما يصدر من الجهات المعنية ‏من توجيهات وتعليمات وإرشادات، في سبيل مواجهة هذه الجائحة.‏

وقال الملك في كلمته: «لقد تعودتم مني على الصراحة، ولذلك ‏بادرتكم بالقول بأننا نمر بمرحلة صعبة ضمن ما يمر به العالم كله، ‏وأقول لكم أيضا إن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على ‏المستوى العالمي لمواجهة هذا الانتشار السريع لهذه الجائحة».‏

وأضاف قائلا: «لكنني في الوقت ذاته، أعلم أننا سنواجه المصاعب ‏بإيماننا بالله وتوكلنا عليه، وعملنا بالأسباب، وبذلنا الغالي والنفيس ‏للمحافظة على صحة الإنسان وسلامته، وتوفير كل أسباب العيش ‏الكريم له، مستندين على صلابتكم وقوة عزيمتكم، وعلو إحساسكم ‏بالمسؤولية الجماعية».‏

الدور السعودي في التصدي لأخطر وباء ظهر على كوكب الأرض ‏لا يقتصر على العمل السياسي والدبلوماسي، إذ إنه في الوقت الذي ‏تكثف فيه المملكة وقيادتها جهودها للتنسيق بين دول مجموعة ‏العشرين لعقد القمة المرتقبة، كان العلماء السعوديون يبذلون جهدا ‏علميا رائدا داخل معاملهم ومختبراتهم ليتلاحم المسار السياسي مع ‏المسار العلمي الذي ينطلق من المملكة، حيث نجح مختبر المركز ‏الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها في كشف التسلسل الجيني ‏الكامل لفيروس كورونا الجديد (‏SARS-CoV-2‏) من حالات ‏إيجابية لمرض كوفيد -19.‏

وذكر المدير العام التنفيذي للمركز الوطني للوقاية من الأمراض ‏ومكافحتها الدكتور عبدالله القويزاني: «أن التحليل الجيني لفيروس ‏كورونا الجديد (‏hCoV-19‏) أمر مهم لفهم تطور فيروس كورونا ‏الجديد ومعرفة انتشاره».‏

وأضاف: يعد فيروس كورونا الجديد من الفيروسات الناشئة، لذلك من ‏المهم تحديد مصدر دخوله إلى المملكة ومسار انتشاره وتحوره ‏ورصد التطور العالمي للفيروس.‏

تساعد دراسة ومعرفة التسلسل الجيني لفيروس كورونا الجديد ‏والمعلومات المرتبطة بهذا المجال على اكتشاف أنماط انتقال ‏الفيروس ومقارنته بالفيروس المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط ‏التنفسية التي ظهرت في عام 2012، وكذلك يساعد في تطوير ‏اللقاحات والأدوية المضادة لفيروس كورونا الجديد.‏

التطور العلمي الذي تشهده السعودية سيكون محور حديث العالم خلال ‏الأيام القادمة، إذ إنه يعد خطورة فارقة تضطلع بها السعودية – في ‏إطار ما ألزمت به نفسها من مسؤولية أخلاقية للمشاركة في تقديم حل ‏لأحد أخطر مشاكل العصر، لم يظهر فيروس على وجه الأرض ‏أصاب الحياة بالشلل مثلما حدث مع فيروس «كورونا».‏

وأعود للحديث عن ترتيبات القمة الاستثنائية لقادة ومجموعة العشرين ‏والتي دعت إليها السعودية لمكافحة انتشار فيروس كورونا، حيث ‏تلقى الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، اتصالا هاتفيا من ‏المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، جرى خلاله بحث سبل توحيد ‏الجهود لمكافحة انتشار وباء كورونا، كما جرى خلال الاتصال ‏استعراض الترتيبات للقمة الاستثنائية الافتراضية التي دعت إليها ‏المملكة قادة مجموعة العشرين التي تترأسها المملكة هذا العام للاتفاق ‏على سياسات تخفف من آثار الإجراءات المرتبطة بمكافحة انتشار ‏فيروس كورونا المستجد.‏

الشاهد في كل ما عرضته أن السعودية أشبه بـ«خلية نحل» يتواصل ‏فيها العمل على كافة المستويات الرسمية والدبلوماسية والبحثية ‏لمساعدة البشرية في مواجهة هذه المحنة غير المسبوقة.‏

إننا أمام دعوة صادقة للحفاظ على الحياة تنطلق من أرض السعودية، ‏ومن حُسن الحظ أن السعودية هي التي تقود العمل في مجموعة ‏العشرين حاليا وفق أجندة عملية واضحة المعالم لقيادة السعودية لهذه ‏المجموعة تتمثل في 4 محاور:‏

‏1 - تنسيق العمل متعدد الأطراف في عام 2020.‏

‏2 - البناء على إنجازات مجموعة العشرين.‏

‏3 - المشاركة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص لتعظيم القيمة ‏المضافة من الحلول المطروحة.‏

‏4 - تقديم منظور منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.‏

وفى الوقت الذي تترأس فيه السعودية مجموعة العشرين تحت مظلة ‏‏«اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع»، نجحت المملكة من ‏خلال مبادرتها الأخيرة في أن تكون هي صوت الضمير الذي يعبر ‏عن البشرية وحقها في الحياة الكريمة، فإذا كان المراقبون يعولون ‏دائما على المملكة وإسهامها الفاعل في دعم الاقتصاد العالمي ‏والمضي به إلى الاستقرار، فإنه ليس هناك أغلى من الإنسان وصحته ‏في دعم الاقتصاد العالمي، ولن يكون هناك أي معنى للحديث عن نمو ‏واستقرار اقتصادي أو سياسي بدون إنسان سليم صحيا.‏

ولعل كل هذا يفسر مدى عمق الرؤية السعودية التي تعتبر الإنسان ‏هو حجر الزاوية في كل ما يتخذ من إجراءات، الإنسان هو «كلمة ‏السر» في السياسة السعودية بمختلف مستوياتها. ‏

من أجل هذا الإنسان والحفاظ على حياته يعمل الجميع في السعودية، ‏تُتخذ المبادرات التي يرعاها الملك سلمان شخصيا، ويجري ولي العهد ‏اتصالاته بكل الأطراف، وتتواصل جهود الجهاز الحكومي بكل ‏أفرعه ومستوياته من أجل كلمة واحدة فقط وهي «الإنسان»، إنها ‏رسالة الخير التي تحملها السعودية للإنسانية للحفاظ على النفس ‏البشرية، وما أعظمها رسالة.‏