مع خروج الأزمات تكثر الإشاعات والتحليلات والخلط بين الحقيقة والخيال، والواقع والأوهام، والربط المنطقي وغير المنطقي، ويتم بناء القصص والأحاديث.

والسبب في ذلك، أن الإنسان بطبيعته العقلية متعطش إلى المعلومات، مما يجعل صانعي الإشاعات المضللة نشطين، لبث السموم وترويج سلعهم الفاسدة، فهم كالفطريات التي لا تخرج إلا على العفن، فانعدام الأخبار والمعلومات الحقيقية وقلّتها، سبب أساسي لانتشار الإشاعة بين عامة الناس.

فقد تحدث عن ذلك كل من: ألبورت، وبوستمان، حين وضعا قانونا أساسيا للإشاعة في شكل معادلة جبرية، ووصلا إلى أنه من الممكن وضع معادلة عن شدة الإشاعة على النحو التالي:

شدة الإشاعة = الأهمية * الغموض

وعند طرح هذه المعادلة الجبرية على ما يحدث اليوم من انتشار مرض كورونا حول العالم، نجده يمتلك أركان هذه المعادلة من حيث أهميته، فهو مرتبط بحياة الناس، وغموضه من خلال أسباب وجوده وانتشاره وقضية علاجه، وقد أسهمت هذه الأمور في انتشار الإشاعات بشكل دولي، فضلا عن انتشارها محليا.

وتم استخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا وسائل الإعلام في بث مثل هذه الإشاعات، فهي غالبا ما تحتوي على جزء صغير من الأخبار أو الحقائق، ولكن عند ترويجها تُحاط بأجزاء خيالية، بحيث يصعب فصل الحقيقة عن الخيال.

كما أن الإشاعة عادة ما تخرج من أشخاص أو وسائل إعلامية لديها عدائية مكبوتة، فلا تترك لدى مطلقها إحساسا بذنب، فهو يخجل من الإفصاح أو إبلاغها، ولعلنا نطرح تساؤلا عن سبب انتشارها بشكل سريع؟.

مما لا شك فيه، أنه في الوقت الراهن تسهم وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، في عملية تسريع وانتشار وتشتيت أفكار الجماهير حول الإشاعات، وإذا أردنا تفسير الأمر بشكل أكثر للقارئ، نجد أن من يملك أو يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي ذات الجماهيرية الكثيرة، ليسوا على قدر من الوعي العميق في تحليل الواقع ومعطياته، والاستنتاجات المنطقية، ولست هنا بصدد انتقادهم بقدر ما أحاول تحليل الأمر بشكل معرفي.

فهم يعدون المحطة الثانية لنشر الإشاعات وتسريع انتقالها بين المجتمع بجميع طبقاته وشرائحه.

وهذا يولّد لدينا استفسارا جوهريا حول المحطة الأولى التي تنطلق منها الإشاعات، فهي تتمثل -كما ذكر المفكرون الفرنسيون- في أماكن تجمع الناس في المقاهي والمجالس والاجتماعات وأماكن العمل، وقد تكون بقصد أو دون قصد، مما يجعل قناة التسريع -وهي في وقتنا الراهن وسائل التواصل الاجتماعي- ومقاوليها تنشط، فليس لديهم -للأسف- نظارة الحقيقة والتثبت، وإنما عملهم البحث عن المعلومة لنشرها، والسبق في التغريد والإشهار، بغض النظر عن مصدرها. فهم يمثلون دور الصحفيين في الأزمنة الماضية، وسباق السبق الصحفي الذي يلهث خلف الخبر حتى يشار إليه بالبنان.

المرحلة الثالثة، هي مرحل وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، فهي أمام خيارات عدة: إما النفي أو الإثبات أو التجاهل، وكل خيار من هذه الخيارات له سيناريو وردة فعل محتملة لدى الجماهير، سيتم التطرق إليها في مقالات قادمة، لكن أحد الخيارات التي ستمزق خيوط الإشاعات هو المتحدث الرسمي، والمصدر المسؤول الذي يجيب عن التساؤلات قبل أن تُطرح، ويغلق باب التأويلات والتفسيرات في بيانه الصحفي، وفي وسائله المعتمدة، ويجعل العصافير تبقى مقيمة في عشها، وهذا ما أتقنته وزارة الصحة بجميع من يعمل فيها، ابتداء من سائق الإسعاف إلى وزير الصحة، فلها منا التحية.