الو السلام عليكم، تغريد الطاسان؟

ـ نعم، من معي؟

ـ وزارة الصحة.. أختي نتيجة الفحص إيجابية، عليك التوجه إلى ـ المكان الفلاني - للحجر الصحي ومتابعة الحالة.

ـ مصابة..! طيب وبناتي..؟

ـ مصابات، لكن لا تخافي فإن شاء الله نسبة الشفاء كبيرة جدا للي في سنهم.

انتهت المكالمة.. وضعت سماعة الهاتف وأنا في ذهول، فالتفكير بهذه الجائحة العالمية مرعب، فما بالك عندما تعرف أنك مصاب بها!، هنا الصدمة.. والصدمة الأكبر عندما تعرف أن أغلى من لك في الحياة مصاب أيضاً.

وأنا مع بناتي الأربع في طريقنا متجهات إلى فندق تحول بجهود وزارة الصحة إلى مركز صحي مصغر لمتابعة الحالات المصابة.. كانت الاستفهامات الرمادية رفيقة المسافة، كيف، وماذا، وليت.. كلمات أغلقت عليّ منافذ الاطمئنان، وأحكمت حولي دائرة الرهبة التي طوقت بها شعوري.. وغموض معنى (عزلة) كان الكابوس الذي لا أعرف كيف أرسم به ملامح فترة سأقضيها لوحدي في غرفة لن يسمح لي بالخروج من بابها لمصلحتي ولمصلحة الآخرين.

بين ليل مظلم وشوارع خالية إلا من دوريات أمنية افترسني إحساس مرعب جعل من مسافة 20 دقيقة تعادل 20 عاما من ترقب على لوح من مسامير الخوف.

ما إن وصلنا حتى وُضعت كل منا في غرفة مستقلة غير مسموح لها أن تخرج منها إلا لأخذ العينة الطبية عندما يطلب منها.. وهنا كانت غصة شعور أخرى لم تستطع كل ملامح البشاشة والرقي في التعامل والطمأنة في الحديث التي أُستقبلنا بها أن تجعلنا نبلع خوفنا العالق في قلوبنا لنتنفس سَكينة المشاعر.

مرت الليلة كأصعب ما يكون.

صباحي الحائر الذي أنجبته ليلتي المضطربة كان يحاول أن يعيد تراكيب الهدوء المبعثرة ليصلها ببعضها على لوحة النفس المتحيرة..

وصوت الهاتف الذي اخترق حزام الصمت المربوط بقوة على خصر الوحدة كان يحمل مفاتيح انفراج القلق، ليقدم لي الاطمئنان على طبق جميل من تعامل راق من منسوبي وزارة الصحة والأمن الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية العناية بنا.

لكل سؤال عندهم إجابة، ولكل غموض لديهم بيان، ولكل قرصة خوف مؤلمة لديهم مسحة اطمئنان باردة.

الألفة والود والإيثار والرعاية الصحية والنفسية التي قوبلت بها أزاحت عني نصف الهم، وهذا كان رحمة من الله لأستطيع أن أقاوم أعراض المرض المؤلمة جدا التي استفردت بي وهي تتصارع بشراسة مع جهازي المناعي.

أكتب مقالي هذا وأنا في يومي الثامن من عزلتي الصحية..

رغم أن فيرس كورونا البغيض ما زال يسكن جسدي إلا أني بدأت أنتصر على رماح أوجاعه المنصوبة بدقة نحو حلقي وجهازي التنفسي، وهذا ما كان ليكون لولا فضل الله ثم هذه الجهود الجبارة التي تبذلها قيادتي الحبيبة ومسؤولو وطني الأكفاء من أجل سلامتنا كوطن ومواطنين، فشكراً يا الله أن كرمتني وجعلتني مواطنة - سعودية -.