أستاذ اللسانيات بجامعة الملك سعود، الدكتور حمزة المزيني، عُرف أكثر في العقدين الأخيرين بشيئين اثنين «مواجهة المؤدلجين وإلحاحه المستمر في الالتفات العلمي لظاهرة الأهلة في إثباتها دخول الأشهر القمرية، واستغراقه العميق في أستاذ اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي». أخيرا كأن المزيني خرج من فضاء اللغويات الحديثة، إلى عوالم التوثيق، ليدون سيرته الذاتية في كتابه «واستقرت بها النوى»، منطلقا من حياة غنية بتحولات لافتة، حافلة بتجاوز عقبات وتحديات، ومحققة لمنجزات أكاديمية على مدى أكثر من أربعة عقود، تنقل فيها ما بين مسقط رأسه المدينة المنورة، والرياض، ثم الابتعاث للدراسة، إلى نيله الدكتوراه في أمريكا، عبر حكاية شائقة مع الزمان والمكان، ومتغيرات الواقع.

فرض الذاكرة

يقول المزيني ساردا قصة كتابه الذي حوى سيرة حياته من الطفولة والنشأة والدراسة والبحث العلمي حتى التقاعد: المؤكد أني كغيري من بني البشر، لم أخطط بوعي لما مررت به من تجارب في حياتى، لا سيما في الفترات التكوينية الأولى، فالبشر نتاج صدف تمليها الظروف التي نشأوا فيها وتحيط بهم وتدفعهم إلى اتجاه بدلا من اتجاه آخر، إضافة إلى العوامل الأخرى التي تؤثر في حياتنا وتوجهها لأن تأتي على شكل بدلا من شكل آخر، أما ما يبدو لنا، كأنه تخطيط واع تظهر فيه تجاربنا كأنها نتائج تترتب على مقدمات صريحة محددة، فصورة مضللة تفرضها الذاكرة على الأحداث التي تمر بالفرد حين يحاول اكتشاف المنطق وراءها.

وثيقة ضد الإخوان

يذهب المزيني إلى أخذ القارئ ليستمتع برؤية ما جرى في أرض طيبة المباركة قبل ستة عقود من الزمن من محاولات للعيش والمغامرة والفرح وسط ظروف صعبة، ومن مشاهد مثيرة لمسامرات وحكايات ونماذج إنسانية نادرة، ومن تفاصيل مؤثرة لمجتمع الكاتب، ووعيهم الجمعي في النظر للكون من حولهم والناس والحياة.

ووفق رؤية الكاتب فيصل الجهني يمكن اعتبار سيرة المزني وثيقة واضحة الملامح للمشهد التعليمي والثقافي في بلادنا قبل وبعد قدوم الإخوان المسلمين وتغلغلهم في المدارس والجامعات والمساجد، ومن جاء بعدهم في فترة لاحقة من الصحويين. فقد عبرت السيرة بإتقان عن تجليات تلك الحركات والجماعات الدينية المتطرفة وتأثيراتهم في البنية الذهنية والفكرية للمجتمع، والتحولات السلبية التي طرأت عليه، بعد أن كان مجتمعا إنسانيا طبيعيا متدينا بطبعه يعيش بتلقائية، ويتطلع دائما لمعانقة الحياة والجمال والفرح.

دور الأم

سيرة المزيني -كما كتبها- جاءت على قدر عال من الثراء والتنظيم والتوثيق والتذكر والتحديد، وعلى نصيب من الرؤى والتداعيات، والأفكار حول تفاصيل وأحداث وشخصيات تلك السيرة، طبقا لما يقوله الجهني، الذي يرى أنه «يمكن الاعتماد على تلك السيرة الذاتية الدقيقة لاستخلاص بانوراما سوسيولوجية للمشهد المحلي في المدينة المنورة عامة وما يحيط بها من قرى وهجر، بما فيها التي ولد ونشأ فيها المزيني تحديدا. إذ يقول المزيني «ولدت ونشأت، كما ولد ونشأ أجدادي في ضاحية المدينة المنورة الغربية الجنوبية التي تقع على ضفتي وادي العقيق المشهور تاريخياً بهذا الاسم.. لا يعرف سكان هذا الوادي الآن اسم العقيق فهم يسمونه الحسا»، لافتا لدور والدته بعد وفاة أبيه في العمل على تربيته وحثه على التعليم، وما كانت تكابد من المشاق في العمل على توفير لقمة العيش والكفاف، وهي التي تقول له «الرجال ثلاثة، فواحد جابته في فمه، وواحد جابته في كمّه، وواحد جابته عند أمه» وهي تقصد بـ»الجابة» سرعة البديهة والحجة في المجادلة والدفاع عن النفس في المواقف التي تستوجب المناقشة.

حمزة بن قبلان المزيني

ولد بالمدينة المنورة 1944

أستاذ لسانيات بجامعة الملك سعود

درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها 1981

الماجستير: جامعة تكساس الولايات المتحدة الأمريكية 1976

تخرج في قسم اللغة العربية في كلية الآداب، جامعة الملك سعود 1971

مؤلفات

(الأصل الصرفي لصيغ الفعل في اللغة العربية) 1414

(ثقافة التطرف: التصدي لها والبديل عنها) 2008

(الأهلة وشهود المستحيل) 2008

(اختطاف التعليم في المملكة العربية السعودية) 2010

(في مواجهة الطائفية) 2013

الترجمات

(اللغة ومشكلات المعرفة) تأليف: نعوم تشومسكي 1988.

(دلالة الشكل في العربية في مرآة اللغات الأوروبية المعاصرة) تأليف: اللساني الأمريكي ديفيد جستس.

(آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل) - تأليف: نعوم تشومسكي.

(اللغة والطبيعة) تأليف: نعوم تشومسكي.

(الغريزة اللغوية: كيف يبدع العقل اللغة) تأليف: ستيفن بنكر.

(من عنيزة إلى وول ستريت ـ سيرة حياة سليمان العليان). تأليف: مايكل فيلد 2002.

(العولمة والإرهاب: حرب أمريكا على العالم) مجموعة من المؤلفين 2002.

(محاسن العربية في المرآة الغربية) تأليف: ديفيد جستس 2004.

(الهوية والعنف..وَهْم القدر) تأليف: أمارتيا سين 2012.