بات من المُؤكد وصف الفترة الزمنية التي ظهر فيها فيروس كورونا (COVID-19) في الصين من مدينة ووهان مطلع فبراير 2020، بـ«زمن كورونا»، ومن ثمَّ انتشر الفيروس في أغلب دول العالم، واستنفرت كل الدول والمجتمعات البشرية إمكانياتها الصحية في مكافحة جائحة كورونا، واتخاذ الإجراءات الوقائية أو العلاجية لمن أصيبوا به ونجوا من فتكه، ورافق ذلك مجموعة كبيرة من التوصيات الاختيارية والإجبارية للاحتراز، والتي لم يشهدها العديد من المجتمعات البشرية منذ عقود، كتعطيل العمل لأكثر المنشآت والمصالح الخاصة والحكومية إلا الضروري منها، وإيقاف التعليم الأساسي والجامعي، وفرض حظر التجول الجزئي والكلي، وإيقاف حركة التنقل بين الدول والمدن وبعض الأحياء، وإغلاق المراكز التجارية والترفيهية والرياضية والمناسبات والحفلات ودور العبادة، وأماكن تجمع الناس، وفرض الغرامات والعقوبات على المخالفين للأنظمة لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

نحن كغيرنا من دول العالم فقد اتخذت حكومة المملكة مجموعة من الإجراءات لمكافحة كورونا والخروج من هذا الوباء بالانتصار عليه وبأقل الأضرار في عدد الإصابات، والأرواح، وأيضا في مواجهة الآثار المادية التي لحقت بالبلاد والعباد جراء التعطل.

سوف تنتهي أزمة كورونا بإذن الله، وتُكلل كل الجهود والمساعي الحكومية المشكورة بالتعاون مع المجتمع، بالنجاح، وتُصبح هذه المرحلة من تاريخ المجتمع السعودي كما غيره «ذكريات من زمن كورونا»، نمر عليها بين الفينة والأخرى، نتذكر منها ما هو إيجابي وما هو سلبي، وما هو قوة وما هو ضعف، وما هو مسؤولية وما هو تهاون واستهتار، وما هو أولوية في مرحلة، وما هو ثانوي في أخرى، وما هو دعم وثقة في القيادة وما هو تقليل من شأنها، وما هو عمل دؤوب وتوكل على الله، وما هو خوف وهلع وابتعاد عنه.

الذاكرة سوف تسجل على المتهاونين والضعفاء والكسالى فشلهم في إدارة المرحلة، وعدم قدرتهم على استثمارها بما يعود عليهم بالنفع من التعطيل الاحترازي، والقيام بواجباتهم الدراسية أو المهنية أو الشخصية، بما تتطلبه وتفرضه المرحلة الاستثنائية من التعاون والعمل عن بُعد، وعمل ما ينبغي بإدارة ذاتية وجهود شخصية، وانتقال من الحركة والنشاط والفعل الخارجي في بيئة العمل والإنتاج والتعليم والعبادة، إلى الفاعلية والإنتاج والاستثمار في العزلة المنزلية الداخلية، كما أن الذاكرة سوف تسجل للجادين والفاعلين وأصحاب الهمم تميزهم ونجاحهم في ابتكار أفضل الوسائل المتاحة في البيئة المنزلية، بما لديهم من إمكانيات، واستثمارها لجميع أفراد الأسرة بما يعود عليهم بالنفع في العمل والتعلم عن بُعد، والتفاعل مع كل قنوات الاتصال والتواصل والتي وُضعت كبديل مُؤقت، وخيار مُتعدد، لتجاوز المرحلة، وعدم هدر الوقت، والإنتاج فيها، وكاختبار لأفرادها حول المسؤولية الذاتية في زمن الأزمات.

أخيرا.. نحن من نصنع الذكريات، وليست هي التي تصنعنا، ونحن من نسطر حروفها في الذاكرة، فالذاكرة لا ترحم الضعفاء والمساكين والخائفين، ولا تُعطيهم أي فرصة للتصحيح والإعادة والتحسين، ولا تُجامل الأقوياء والناجحين والعاملين وتمنحهم المزيد من الوقت والتمكين، «فذكريات زمن كورونا» سوف تُصبح قدرا في صفحات التأريخ الفردي والجماعي لكل أمة ومجتمع وفرد. سوف تُكتب ذكرياتها بقلم خجول أو بمداد فخور، لكل ما جرى فيها من هدر وكسل وضياع أو صبر وألم وقوة وحكمة وقيادة ومواجهة تحديات، وكل ذلك يتوقف على اللحظات التي نمتلكها الآن في زمن كورونا، قبل أن يرحل عنا ويتحول إلى ذكريات من الماضي، ويخرج عن إرادتنا واختيارنا، وتُرفع نتائجه إلى صُحف أعمالنا التي لا عودة عنها.