الأسبوع الأخير من مارس المنصرم، لم يمرّ مرور الكرام، ولم يكن برداً وسلاماً على سدنة البغضاء والكراهية من مناهضي المملكة. كان ثقيلاً على عدد من محاور المنطقة. بعض من ردود الأفعال، أكد شيئا ما، يلفه الحقد والسوداوية في النفوس. أول تلك المواقف وردود الفعل صدر من تركيا. تلاه موقف حمساوي قدِم من غزة. كان ذلك الموقف صدى صوتيا لجماعة الحوثي المارقة في اليمن. قمة الـG20 الافتراضية التي استضافتها وترأستها المملكة كانت المرمى والهدف. القضاء التركي الإردوغاني «المُسيس» استبق القمة بيوم واحد، وقال كلمةً كأنها الكلمة الفصل. أصدر أحكاماً على سعوديين البعض منهم تمت تبرئته من قبل القضاء السعودي، والبعض الآخر لا يزال ملفه القضائي منظوراً، في قضية المواطن جمال خاشقجي - رحمه الله -. مفهوم أن ذلك ليس من منطلق العدالة، بل محاولةً «إردوغانية» فاشلة، هدفها صرف النظر عن المسؤولية الأخلاقية والسياسية والاقتصادية التي اضطلعت بها المملكة، من خلال جمع قادة العالم عبر دائرة تلفزيونية في خطوة، وإبعاد الاهتمام في خطوةٍ أخرى مقابلة عن أنقرة الممحوقة في إدلب السورية، والكسيرة هي ورئيسها أمام عين القيصر الروسي الحمراء، المتورطة قبل ذلك داخلياً بـ«كورونا»، وسجون الخليفة العتية. مضت ساعات. جاء صوتٌ من صنعاء المحتلة. قال الحوثي المارق «سنفاوض السعودية على إطلاق سراح طيار سعودي وأربعة جنود، شريطة إطلاق سراح المعتقلين من المُنتمين لحركة حماس في المملكة».! على عجل هرولت حركة حماس «الإرهابية» مُتلقفةً ذلك، لتُزجي الشكر العميق للجماعة الإرهابية في اليمن. ما لا يفهمه الكثير «حمساوية وحوثيين»، وأشباههم من المتمترسين خلف ستارٍ ديني لتمرير تطرفهم، أن المملكة لا تتعامل ولا تتفاوض مع إرهابيين مهما كانت المحصلة. هذا أمرٌ قاطع وخط أحمر في السياسة السعودية. وقبل هذا وذاك، فرد فعل حركة حماس لم يكن مستغرباً، وهي التي قادها إسماعيل هنية وخالد مشعل - اللذان يستحوذان على القرار في قطاع غزة - لخلع الرداء العربي، مقابل ارتداء العمامة الإيرانية. ربما نسي البعض أو تناسى، لكننا لم ننس، أن حركة حماس وقائدها، من قدّم الثناء والشكر للحوثي الذي يعيش حالة حرب مع المملكة - هو شخصياً -، من نقض معاهدة الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - جمعت الأطراف الفلسطينية المتنازعة، تحت ستار الكعبة في شهر حرامٍ، وفي موقع مقدسٍ، أُسميت حينها المعاهدة «اتفاق مكة» عام 2007. أجهضها زعيم حركة حماس، وانقلب على فتح والفصائل الأخرى الفلسطينية، وتعمقت حالة الانقسام - الفلسطيني الفلسطيني-. مضحكٌ توجههم. ومثيرةٌ للسخرية سياساتهم. في جزءٍ من المشهد مأساة، وفي الجزء الآخر مهزلة. فلا هذا يجتمع سياسياً ولا عقائدياً ولا مذهبياً بذا، ولا ذاك مُرتبط بذاك. القاسم المشترك بين تلك الأطراف الرخيصة مكتب المرشد في طهران. يحضرون كالعاملين والموظفين المأجورين لديه، يتلقون التعليمات وينصرفون. رأس النظام التركي أولهم وكبيرهم، يأتي ذليلاً مطأطئ الرأس. وثانيهم المتزلف إسماعيل هنيه ومندوبو حركته الإرهابية. وثالثهم صغيرهم عبد الملك الحوثي. يضاف إليهم الكومبارس قائمقام الدوحة وحاكمها «الصوري» تميم بن حمد. هو الممول مالياً، وضابط الإيقاع الإعلامي والمحرك الأساسي لقناة الجزيرة بمرتزقتها. بالمناسبة، قناة الجزيرة خلال يوم القمة انصرفت عنها كُلياً. كان عنوانها الرئيس تلك الليلة «مبادرة الحوثي وحركة حماس». تجاهلت قمةً عالمية تسعى لإيجاد حلول لمواجهة وباءٍ فتك بحياة الإنسان. لا تهمهم حياة الإنسان بقدر ما يهمهم ويحركهم المال السياسي القطري، والتعليمات القادمة من قصر الوجبة في الدوحة. قاطعوها أو تجاهلوها فقط لأن الرياض تترأسها. ذلك فراغٌ وسقوط وإفلاس إعلامي، وتأكيدٌ على ادعاء الحيادية لمجرد الضحك على عقول بعض التافهين. يتصور أولئك الجوقة أنهم مؤثرون. أو على الأقل مُشوشون. هم أبسط وأقل من ذلك. بتنا نفهم مُماحكاتهم السياسية الرخيصة وهرولتهم المفضوحة. حاولوا التشويش وتشتيت الانتباه عن قمة الرياض الافتراضية، وباءت محاولاتهم بالفشل، ورد كيدهم إلى نحورهم وسواد وجوههم. عُقدت القمة. شهدها كبار الزعماء «وليس الصغار». الصغار كانوا غائبين. كانوا منشغلين بنا. تجاهلوا حياة الإنسان التي تُهددها جائحة اجتاحت العالم بأسره، وسلطوا أنظارهم على المملكة. حاربوا وتجنوا على رموزها، وحتى على شعبها. لا الرموز ولا الشعب أعارهم أدنى اهتمام. نعي بالمطلق أن المملكة اهتمامهم وعلى رأس جدول انشغالاتهم، شاء من شاء وأبى من أبى. يدركون أن الدولة التي تعرفهم جيداً ولا تهتم لحقيقتهم بمثابة «أساس» الشرق الأوسط. فلا قرار يمكنه النفوذ أو المرور في المنطقة، دون موافقة عاصمتها التي لا تهدأ ولا تنام. أنا على يقينٍ تام بأنهم حكاماً كانوا أو محكومين دائماً مرتبكون. هيبة الرياض على الدوام تخلط أوراقهم. فالهيبة السعودية - وهي الصفة التي تُفرض ولا تؤخذ - لم تكُن فضلاً أو منحةً من أحد، بل اكتسبها وفرضها الرجال منذ عهد المؤسس وحتى اليوم. هذا المكتسب التاريخي يكمُن ويتضح في صورة الملك المؤسس خلف مكتب خادم الحرمين الشريفين خلال الاجتماع الدولي الافتراضي لـG20. تمعنوا فيه، ودعوهم يحترقون.. ويموتون بغيظهم غير مأسوفٍ عليهم.