لا يمكن القول إن العالم الفرنسي «بينيه» هو مبتكر اختبارات الذكاء، فهذا القول عدوان واضح على الحقوق الأدبية لستي الحاجة التي ابتكرت الفوازير كأول شكل لاختبارات الذكاء، وكان ذلك منذ زمن قديم يعود إلى عصور استعمال السيف، والدليل على ذلك فزورة ستي عن السيف: ايش برق برق واستخبى في الورق؟

ودون تحيز لستي الحاجة، يقتضي الحق أن نقول إن هذه الفوازير لم تعد ملائمة لاختبار ذكاء الإنسان العصري.

فإن هذا الإنسان أصبح يدوخ بين المكاتب لتخليص أوراقه، كما أصبح يعرف أقرب الطرق لتجنب هذه الدوخة، فإذا سألته اليوم ايش برق برق واستخبى في الورق قال لك: اللحلوح.

كذلك لم تكن ستي تعني راكب الطائرة في فزورتها «ايش عدى البحر ولا اتبلش» بل كانت تعني العجل في بطن أمه، كما أن فزورة «ايش يتأخر بالسنة وبيجي بالعنا» لم يعد المقصود بها القرش الذي في ذمة الحكومة لك، بل أصبح المقصود بها حرارة التليفون.

المعقول واللامعقول!

وإذا نظرنا إلى اختبارات الذكاء التي وضعها العالم الفرنسي وجدناها هي الأخرى لا تلائم العصر، فمن بين هذه الاختبارات أن تعرض على من تختبره مجموعة صور بينها صورة غير معقولة لا يتنبه إلى عدم معقوليتها إلا الإنسان الذكي، وهذه الصورة عبارة عن شخص يجلس ضاحكا سعيدا والحريق يشب من حوله، فمثل هذه الصورة لو نظر إليها الإنسان العصري الذكي فلن تشد انتباهه، لأنها صورة معقولة جدا، ذلك أن الشخص الضاحك السعيد في الصورة والنار من حوله هو الموظف الذي أحرق المخزن قبل الجرد.

لهذا أصبح من المحتم إيجاد صورة أخرى ملائمة للعصر، يكتشف الإنسان الذكي عدم معقوليتها بمجرد النظر إليها، كصورة شارع نظيف في القاهرة، أو صورة متحدث تلفزيوني لا يهش ذبابة ماسبيرو، أو صورة رجل تبدو عليه السعادة وهو يشاهد التلفزيون.

ع.حا.ع.حا!

ولقد أصبح من المحتم تطوير كل اختبارات الذكاء على أسس عصرية، كما أصبح من الضروري اشتراط النجاح في هذه الاختبارات للمتقدمين إلى وظائف الحكومة، حتى نضمن للجهاز الحكومي أجيالا قادمة من الموظفين الأذكياء، يسيرون على منوال الأجيال السالفة الذكية، من الموظفين الذين وضعوا اللوائح الحكومية بفطنة وصاغوا لنا صيغ الاستمارات الحكومية والمكاتبات الرسمية بذكاء، واستهدفوا في هذا كله الدقة والحرص على أموال الدولة، وما الذكاء غير حرص ودقة.

1991*

* كاتب صحفي مصري «1928 - 2014»