هناك ثلاث نظم بيئية تغلف كوكبنا الأزرق، هي النظام البيئي للغلاف الجوي والنظام البيئي للغلاف المائي (البحار والمحيطات والبحيرات والأنهر ...) والغلاف البيئي الصخري، وكل نظام من هذه النظم البيئية ينقسم بدوره إلى آلاف النظم البيئية الأخرى، لا يسع المقال التطرق إليها، وهذه النظم البيئية الثلاثة مرتبطة مع بعضها البعض بروابط طبيعية وبيئية وثيقة، بحيث لا يمكن الفصل بين هذه النظم الثلاثة، فما يحدث في أي منها من تغيرات طبيعية أو غير طبيعية تتأثر به النظم البيئية الأخرى، فعلى سبيل المثال عندما ترتفع درجة حرارة الغلاف الجوي لدرجتين أو ثلاث، يتسبب هذا التغير في ذوبان كميات هائلة من الجليد في كل من القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي، مما يتسبب في رفع مستوى المياه السطحية للبحار والمحيطات الأمر الذي عادة ما يتسبب في إغراق العديد من الجزر والمناطق الساحلية، ناهيك عما يسببه هذا الارتفاع في درجة الحرارة من هطول الأمطار الغزيرة التي عادة ما تسبب آثارا مدمرة على النظم البيئية على سطح الأرض، وقد كتبت هذه المقدمة لعلي أجد مدخلاً للتحدث عن ظاهرة بيئية، تعتبر من أهم الظواهر البيئية التي تعتمد وترتكز عليها الحياة في كوكبنا الأزرق التي لولاها ما قامت حياة على سطح الأرض، وهذه العلاقة هي العلاقة الوثيقة بين غاز النيتروجين وظاهرة البرق، وقبل الخوض في توضيح هذه العلاقة الحيوية، أحب أن ألقي الضوء بصورة مختصرة جدا على ظاهرة البرق وغاز النيتروجين. وإذا تحدثنا عن البرق لا بد أن نتحدث عن الرعد فهما صورتان لظاهرة واحدة، فالرعد أو الصواعق هما عبارة عن موجات صوتية قوية ينتج عن تضاغطها صدمات صوتية أشبه بالقنابل الصوتية، وهذه الموجات الصوتية تتولد من وميض البرق الذي تصل درجة حرارته إلى أكثر من 30.000 ( ثلاثون ألف) درجة مئوية، وعندما يحدث البرق يرفع درجة حرارة الهواء المحيط به في وقت قياسي يقدر بجزء من الثانية، وتعرف هذه الظاهرة بالتمدد الانفجاريExplosive Expansion وعند هذه اللحظة تتضاغط موجات الهواء هذا التضاغط الذي يتسبب في موجات من الصدمات الصوتية أشبه بصوت القنابل الصوتية، ولهذا السبب أنت ترى البرق قبل سماعك للرعد، فالضوء أسرع من الصوت بحوالي 800 ضعف، وهناك الكثير فيما يقال عن ظاهرتي البرق والرعد ولكن المقام لا يسمح. غاز النيتروجين هو غاز خامل يشكل أكثر من 78% من مجموع حجم الهواء في الغلاف الجوي، وعندما كنت طفلا ألعب بالقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتبادر دائما إلى ذهني سؤالان لم أجد لهما إجابة في مراحل عمري الأولى، السؤال الأول هو: ما الغرض من وجود سلسلة حديدية على القبة الخضراء التي تعلو ضريح سيدي رسول الله ؟ أعتقد أن الكثير منا في هذه المرحلة من عمرنا يعرفون السبب، فهذه السلسلة على أية حال تلعب دورا هاما في حماية القبة الخضراء من الصواعق، أي أنها سلسلة مانعة للصواعق؛ حيث إن جميع شحنات البرق الكهربائية تتسرب إلى الأرض عن طريق هذه السلسلة الحديدية، وإن كنت مخطئا أرجو من أهل العلم التصحيح.

أما السؤال الثاني الذي يتعلق بغاز النيتروجين فهو عن النسبة المرتفعة الذي يشكلها غاز النيتروجين في الهواء الجوي التي تزيد على 78% من مجموع حجم الغازات الأخرى في الغلاف الجوي، فإذا كان هذا غازا خاملا فلماذا يوجد بهذه النسبة العالية في الغلاف الجوي؟ في حين أن نسبة غاز الأكسجين الذي نعتمد عليه بصورة رئيسية في استمرار حياتنا لا تتجاوز ما قيمته 20% من مجموع الغازات الموجودة في الغلاف الجوي!!؟ و لكني أدركت في مرحلة من مراحل عمري أن الله لم يخلق هذا الغاز الخامل بهذه النسبة الكبيرة عبثا!! وأن هذه النسبة (78%) لو زادت أو قلت لتخلخلت موازين الطبيعة!! الدور الحيوي الذي يلعبه هذا الغاز يتمثل في علاقته بالبرق، فوميض البرق الذي تزيد درجة حرارته عن أكثر من 30.000 ألف درجة مئوية يؤكسد هذه الغاز ويحوله إلى مركبات أخرى تعرف بالأكاسيد النيتروجينية، هذه الأكاسيد النيتروجينة تذوب مع ماء المطر لتدخل بين حبيبات التربة على هيئة أسمدة نيتروجينية طبيعية، فتخيل أخي القارئ لولا هذا الدور الذي يقوم به البرق، من ذا الذي في قدرته وطاقته تزويد نبتة في الصحراء بالسماد اللازم لها لتقوم بوظائفها الحيوية المختلفة- فماء المطر وحده غير كافٍ لدعم الحياة الفطرية للنباتات في جميع النظم البيئية سواء كان ذلك في النظم البيئية الصحراوية أو الغابات الاستوائية أو قمم الجبال -إذا لم تكن هناك شرارة أو وميض البرق الذي يحول غاز النيتروجين الخامل إلى أكاسيد نيتروجينة تمثل مصدرا غذائيا طبيعيا لجميع صور الحياة الفطرية النباتية في مختلف النظم البيئية؟ ومن هذا ندرك أن مياه الأمطار في مجملها مياه يميل تركيبها الكيميائي إلى الشق الحامضي خاصة في العصر الذي نعيش فيه نظرا لتزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نتيجة لزيادة الأنشطة الصناعية، لهذا السبب ترى الإسفلت في شوارع مدينة جدة بعد هطول الأمطار مخدوشا مدمرا، نتيجة لتجمع مياه الأمطار لفترات طويلة وعدم وجود تصريف سريع لهذه المياه الحمضية، فهل شركة المياه الوطنية تعي وتدرك مثل هذه الأمور؟