أحد أكبر التحديات التي تواجه الدول ومنها السعودية في تعاطيها مع المشكلات الاجتماعية هي القدرة على إطلاق التعريفات الصحيحة على المفاهيم الجديدة التي أصبحت تلف وتتحكم بحركة المجتمعات المتحضرة منها وتلك التي تسير باتجاه التحضر والانفتاح على الآخر وذلك في عالم اليوم الذي اعتدنا على تسميته عصر العولمة.

أقول إنها تحديات، لأن كثيرا من تلك المفاهيم تمكن بفعل عقلية اجتماعية في غالبها بدائي من تمرير مفاهيم عليها وتصنيفها بأنها مقبولة اجتماعيا وأخلاقيا، من خلال التلاعب بالألفاظ من جهة واستخدام الخدع اللفظية والجمل الرنانة من جهة أخرى، وهو الجهد الممنهج الذي يستخدم كذلك استشهادات مغلوطة وتبريرات ملتوية وكذبا واضحا.

القول إن "تضارب المصالح" ليس "فسادا" هو كالقول بأن السرقة للمحتاج أمر جائز، والقول بأن قيام مسؤول في وزارة الصحة ـ مثلا ـ بافتتاح صيدلية أمر مقبول هو كالقول بأن مسؤولا في بنك ما له الحق في أن يوافق على إقراض مستثمر ومن ثم الدخول معه في شراكة مالية في ذلك المشروع أو ذاك.

من المحزن أن تكون المفاهيم السلبية في مجتمعنا وصلت إلى مرحلة من التبرير الممنهج من قبل العقل الجمعي الاجتماعي، بحيث أصبحنا نعتقد بأن تضارب مصالح البعض يعد مجرد تجاوز إداري وسطوة نفوذ لهذا المسؤول أو ذاك، وأن الحل يكمن في سن قوانين تحد من قدرة البعض على الاستفادة من مواقعهم الرسمية في أعمال قد يستفيدون ماليا أو اجتماعيا من خلالها.

بالنسبة لي فإن الفساد في تعريفه البسيط هو حصول الفرد على شيء لم يكن له أن يحصل عليه لو كانت ظروفه الاجتماعية أو الوظيفية مختلفة، أو قدرته على منع قرار كان له لو فرض أن تعم الفائدة على الجميع، فكما أن المرتشي هو ذلك الذي يتقاضى مبالغ مالية دون وجه حق فقط لأنه يملك من السلطة ما يتيح له الإمكانية لتسهيل حصول شخص معين لأمر ليس له الحق فيه، فإن الموظف الرسمي الذي لا يدعم أو يعمل من أجل قرار في وزارته بفرض رسوم ضريبية مثلا على تجار معينين وعقاريين متنفذين وذلك لأنه هو ذاته تاجر مثلهم؛ هو الفساد الذي مهما حاول من حاول تعريفه بشكل مختلف فلن يقنع ضميري الداخلي غير كونه فاسدا.

المفاهيم الاجتماعية هي في صميمها معان مطبقة ونتائج حاصلة وتأثيرات يشعر بها الإنسان الضعيف والقوي، وخلط الأوراق والتلاعب بتلك المفاهيم هو أساس الإفساد في الروح الاجتماعية، فكم من عادة جاهلية كانت نتيجة الترويج لها أمرا مقبولا اجتماعيا مثل وأد البنات وجرائم الشرف.

آمل أن ينهض المسؤول ويعلن بشجاعة بأن "تضارب المصالح" هو فساد في فساد، لينهي التلاعب بالمفاهيم.