في عصر العولمة تتهاوى شركات الطيران لثلاثة أسباب: الأول لكونها شركات حكومية تقدم خدماتها للمسافر نيابة عن الدولة المثقلة بالبيروقراطية وبطء اتخاذ القرار، والثاني لأنها شركات محصورة ومحكومة بخطوط ملاحية إلزامية مع ارتباطها الوثيق بالأجواء المحلية المدعومة التي تحرمها من الخطوط الملاحية العالمية المربحة، والثالث لعدم اهتمام هذه الشركات بالتكتلات الإقليمية الضرورية والتحالفات الدولية الاستراتيجية اللازمة لفتح الأجواء المربحة وإثراء المنافسة وتحسين كفاءة الأداء.

الخطوط السعودية تقع في قائمة شركات الطيران الحكومية التي لم يحالفها الحظ في توسيع قاعدتها التجارية الأفقية والرأسية معاً. وإن كانت تمتلك المزايا التنافسية القيمة، مثل الدعم الحكومي واحتكار معظم الخطوط الملاحية الداخلية، إلا أن الخطوط السعودية أخفقت في استغلال مزاياها النسبية المستدامة المحيطة بها، مثل مواسم الحج والعمرة والزيارة، وأفواج السائحين ورجال الأعمال والعمالة الأجنبية، مما أفقدها المكانة المميزة بين أقرانها من الشركات الإقليمية المماثلة حديثة العهد بخدمات الطيران.

في نهاية الشهر الماضي صدرت الإحصائيات الرسمية عن مجلس الطيران العالمي لتحديد أكبر شركات الطيران حجماً وأقدرها على كسب رضا المسافرين في عام 2009م، وأسباب تربعها المراتب المتقدمة. في عدد المسافرين المجدولين على الرحلات الداخلية حازت شركة الطيران الأمريكية "ساوث ويست إيرلاينز" على المركز الأول بنقل أكثر من 108 ملايين مسافر بين المدن الأمريكية، تلتها شركة "أمريكان إيرلاينز" ثم شركة الطيران "الفرنسية". وفي عدد المسافرين المجدولين على رحلات دولية، تصدّرت شركة "رايان إيرلاينز" الأيرلندية قائمة أكبر شركات الطيران العالمية بنقل أكثر من 60 مليون مسافر بين الدول، تلتها شركة "لوفتهانزا" الألمانية، وجاءت الخطوط "الإماراتية" في المركز الثامن بعدد 23 مليون مسافر، لتتفوق بذلك على الخطوط "السنغافورية" العريقة وشركة "كاثي باسيفيك" الصينية.

جميع قوائم الإحصائيات خلت من اسم الخطوط الجوية السعودية، بينما جاءت الخطوط "الإماراتية" ضمن العشرة الأوائل في قوائم الرحلات المجدولة العالمية سواء في عدد الركاب أو في عدد كيلومترات الطيران أو في عدد رحلات الشحن الجوي المجدولة وعدد الأطنان المنقولة بين الدول، بالإضافة إلى احتلالها المركز الثالث عالمياً في نسبة نمو حجم أسطولها الجوي.

وتشير الإحصائيات إلى أن مطارات الملك فهد بالدمام والملك عبدالعزيز بجدة والملك خالد بالرياض تربعت على رأس قائمة أكبر المطارات الدولية مساحةً، ولكن مرتبتها تراجعت بشكل كبير في عدد المسافرين المترددين عليها وعدد الطائرات التي ترتادها. وأظهرت الإحصائيات أن مطار "هيثرو" اللندني، الذي لا تزيد مساحته عن 6 ملايين متر مربع، حاز على المرتبة الأولى في عدد الطائرات التي ترتاده علماً بأنه أصغر من مساحة مطار الملك فهد الدولي بحدود 160 ضعفا.

وأشارت الإحصائيات إلى أن مطار "أتلانتا" الدولي في أمريكا حاز على المرتبة الأولى عالمياً في عدد المسافرين الذين ارتادوه في العام الماضي بأكثر من 88 مليون مسافر، تلاه مطار "هيثرو" اللندني بأكثر من 66 مليون مسافر، بينما جاء مطار دبي في المرتبة الـ 15 عالمياً، حيث ارتاده 41 مليون مسافر. ولم ترد مطارات المملكة ضمن قوائم أكثر مطارات العالم تردداً للمسافرين، أو انشغالاً بالطائرات.

هذه الحقائق المريرة قد تمنح خطوطنا السعودية فرصة لتعديل خططها الاستراتيجية لتحقيق الأمل المعقود عليها والهدف المأمول منها. ولعل في المقترحات التالية ما يفيدها ويدعم مسيرتها نحو تحقيق مرتبة متقدمة بين الخطوط العالمية:

أولاً: الإسراع في تحويل الكيان القانوني للخطوط السعودية إلى شركة مساهمة عامة خلال العام الحالي. وهذا يؤدي حتماً إلى سرعة خروج الشركة من بوتقة البيروقراطية الحكومية، ويضعها في مسار منظومة التشغيل التجاري البحتة، لترتقي بمستوى خدماتها التنافسية دون إرهاق ميزانية الدولة.

ثانياً: البدء فوراً بعقد اتفاقات دولية مع شركات الطيران العالمية المرموقة التي تملك الممرات الجوية المجدية اقتصادياً، بل وقد يكون من المناسب قيام الخطوط السعودية بشراء هذه الممرات من خلال تملك الخطوط الجوية المعروضة للبيع في المزادات العالمية. وهذا يؤدي حتماً لزيادة رقعة ارتياد الخطوط السعودية للمناطق النائية المربحة من الناحية التشغيلية.

ثالثاً: اختيار مجموعة من خبراء الطيران الدولي لوضع خطة استراتيجية طويلة المدى، تهدف إلى رفع مستوى كفاءة المطارات السعودية بالتضامن والتعاون والتنسيق المستمر مع هيئة الطيران المدني السعودية. وهذا يؤدي حتماً إلى رفع مستوى الأداء وتخفيض التكاليف الثابتة لهذه المطارات المكبلة بحجمها الكبير وكفاءتها الاستيعابية المتدنية.

رابعاً: اعتماد مبدأ المنافسة بين الخطوط السعودية والإقليمية والعالمية على أساس مستوى الخدمات الأرضية والجوية المقدمة للمسافر، وليس على أساس إرغام المسافر بضرورة استخدام الخطوط السعودية لعدم وجود غيرها في المطارات المحلية، أو لكون المسافر موظفاً حكومياً ومجبراً على استخدام خطوط الطيران الحكومية. وهذا يؤدي حتماً إلى قناعة المسافر بأنه أصبح شريكاً متضامناً للناقل الجوي في كافة الحقوق والواجبات ويمنح المسافرين حرية اختيار الأفضل في حله وترحاله، مما يثري المنافسة بين شركات الطيران وتشجيعها على رفع مستوى كفاءة خدماتها من تلقاء نفسها.

هذه المقترحات وغيرها ليست فقط لإسعاف خطوطنا السعودية، بل هي الخيار الوحيد لانتشال شركتنا الوطنية من دوامة الاتكالية المحلية إلى مصاف الريادة العالمية.