كافأني خالي من حيث لا يعلم عندما أرسل ابنه (12 عاما) إلى الدراسة في مخيم صيفي بالقرب من المدينة التي أدرس فيها ببريطانيا. تعلمتُ أشياء كثيرة خلال تواجده طوال أسبوعين حولي. بدأت رحلتي مع ابن خالي عندما استقبلته في المطار. تبادلنا الأحضان في البداية لكن سرعان ما تبادلنا الصمت طوال نحو ساعة وهي المسافة من مطار مانشستر إلى مدينة بريستون، التي سيقيم فيها. حاولت أن أتحدث معه، لكنه كان منهمكا في جواله وقلقه من التجربة الجديدة، التي سيخوضها لأول مرة. قطع صمتنا المطبق وصولنا إلى المخيم. هناك استقبلنا الشاب ستيف. طلب مني اسم ابن خالي. بعد أن عثر عليه في قائمته أخذني في جولة سريعة على مرافق المخيم. شاهدت الملاعب، والغرفة التي سيسكن فيها، والمطعم. بعد أن انتهينا من الجولة أعطاني ستيف نسخة من برنامج المخيم. الساعة السابعة صباحا، موعد الاستيقاظ ثم الاستحمام، والساعة الثامنة موعد الإفطار. والساعة التاسعة يبدأ الإحماء لمدة نصف ساعة، ومن ثم التدريب واللعب تحت إشراف مدرب متخصص في كرة القدم إلى الساعة الثانية عشرة ظهرا. بعد التدريب يحين موعد الغداء، ومن ثم حصة اللغة الإنجليزية التي تمتد إلى الرابعة عصرا. عند نحو الساعة الخامسة مساء موعد العشاء قبل العودة إلى الملعب عند الساعة السادسة حتى التاسعة. وعند التاسعة والنصف مساء يحين موعد النوم. البرنامج ثابت إلا في يومين تتخللهما رحلتان إلى مدينتي مانشستر وبلاك بول. قبل أن أغادر أعطاني ستيف رقم جواله والمواعيد التي أستطيع خلالها مهاتفته وابن خالي.

حضرت بعدها بأيام إلى المخيم للاطمئنان على ابن خالي دون سابق إنذار. لكن لم يسمح لي موظف الاستقبال سوى بمشاهدته في الملعب من خلف سياج حديدي ومن ثم مصافحته أثناء خروجه من التدريب.

سعدت جدا عندما شاهدت ابن خالي وزملاءه وهم ينظفون الملعب ويجمعون الكرات ويضعون قارورات المياه الفارغة في النفايات بعد نهاية المران. لكن ستيف أفسد سعادتي عندما وبخني على مجيئي للمخيم دون إشعار مسبق. أخبرني أنه لا يفضل زيارتي مستقبلا سواء بموعد أو بدون موعد كون قريبي يحتاج أن يستثمر كل لحظة خلال هذين الأسبوعين بعيدا عن أسرته. ورأى ستيف أنني أهدر هذه التجربة وما تكبده والداه من مال وجهد بالحضور وإعادة قريبي إلى منزله وروتينه اليومي من خلال زيارتي. اعتذرت إليه عن خطئي وانصرفت بعد أن أعاد عليّ ستيف المواعيد المحددة لاستقبال مكالماتي سواء له أو لقريبي طوال فترة المخيم.

قبيل نهاية برنامج المخيم الصيفي اتصل علي ستيف ودعاني لحضور الحفل الختامي. حضرت وسررت بما شاهدت في الحفل البسيط شكلا العميق مضمونا. كل طالب يقدم فقرة يستعرض 10 أشياء تعلمها خلال الفترة التي أمضاها في المخيم. سمعت أشياء جميلة من أطفال واعدين وشيقين. وما أثلج صدري على الإطلاق ما سمعته من ابن خالي. قال ابن خالي تعلمت التالي: 1- أن أنظف غرفتي بنفسي. 2- أن غسيل الملابس ليس عملا شاقا. 3- أن أقرأ كتابا قبل أن أنام مثل رفيق غرفتي، النرويجي جورجين. 4- ألا أستخدم الهاتف إلا ساعة واحدة في اليوم. 5- أن ستيف لن يسمح لي بلعب كرة القدم إلا عندما أتناول الوجبات الثلاث الرئيسية. 6- أن أكتب رسالة عندما أشتاق إلى والديّ أو أصدقائي بخط يدي وأرسلها إليهم عبر الجوال ليسعدوا بها وأحتفظ بها للذكرى. 7- أن الأكل الهندي شهي وليس كما كنت أعتقد. 8- أن طعم الحليب بدون نكهة إضافية مريع لكنه يصبح مقبولا بعد الرشفة الأولى. 9- أن النجاح ككرة القدم يتطلب أن تلحقه لكي تحوز عليه. 10- أن أكتب كل يوم ماذا أعجبني، وما لم يعجبني وأضعه على طاولة ستيف في الصبح الباكر.

إذا تعلم ابن خالي 10 أشياء فأنا تعلمت مثلها أو أكثر خلال وجودي بجواره. تعلمت شيئا جديدا ألا أنتهي من أي مهمة صغيرة أو كبيرة إلا وأكتب ماذا تعلمت منها لأوثقها في دفتري وكمبيوتري لعلي أجد يوما ما أتقاسمه مع أصدقائي أو عائلتي.

تعلمت أن سر صعود المجتمعات الغربية يكمن في عنايتها بالتفاصيل الصغيرة التي عندما تلتئم تصبح كبيرة. وأن تعاليم ديننا عظيمة لكننا لا نسخرها في حياتنا بل نتجاهلنا حتى أصبحنا في ذيل المجتمعات.

تعلمت أن التعبير عما يختلج في نفوسنا من مشاعر يجعلنا نسبح في السعادة وأحيانا نطير.