كل يوم أنا مليونير ولكن مثل قصص جحا!

في المركز الثقافي العربي في القامشلي بدأت ألتهم الكتب وأنا شاب يافع، فوقع تحت يدي كتاب عن ثروة جحا المزعومة! تقول الرواية إنه دخل يوما بلدا فلفت نظره الرايات والأعلام مرفوعة بألوان شتى فوق البيوت، فليس من بيت تقريبا إلا وفوقه بيرق يخفق؟ لم يعرف حقيقة الأمر فسأل؟ قالوا له يبدو أنك غريب عن البلد؟ قال نعم؟ فما حكاية هذه الرايات التي ترفرف فوق كل سطح؟ قالوا ألوانها تحكي لك الخبر فمن كان لون البيرق فوق بيته أخضر كانت ثروته مليونا! ومن كان علمه أحمر كانت ثروته نصف مليون! ومن كانت رايته صفراء فاقعا لونها تسر الناظرين كانت ثروته مليونين! قال: عجيب! حسنا ومن زادت ثروته ماذا يفعل؟ قالوا الأمر بسيط يرفع من الرايات والبيارق والأعلام بعدد ولون يوازي ثروته؟ فنحن في هذا البلد مقامات الناس فيها تحدد بالثروة التي يملكها صاحبها؟ هز جحا رأسه وقال: عجيب! ثم إنه انصرف وأخلد إلى التفكير فهداه عقله أن يرفع فوق بيته الذي اكتراه ثلاثين علما من ثلاثة ألوان أخضر وأحمر وأصفر، ولم يكن في المدينة أحد ترفرف فوق سطح بيته هذه الكمية من الأعلام.

مرت الأيام والناس تتدفق إلى بيت جحا وتتعجب من ثروته الخرافية، ولكن جحا لم ينتبه جيدا إلى قواعد اللعبة، ففي اليوم العاشر فوجئ بالجند والقضاة يطرقون الباب عليه والابتسامات مرتسمة على الوجوه! رحب بهم وقال أهلا بكم ضيوفا كراما! قالوا له نحن في مهمة رسمية، قال: حسنا تفضلوا بماذا أستطيع أن أخدمكم؟ قالوا: حسب الأعلام المنصوبة فوق رأسك نعرف أن عشرة من الأعلام الصفراء تعني عشرين مليونا والحمر بخمسة ملايين والخضر بعشرة ملايين فتكون ثروتك بذلك تساوي 20+5+10=35 مليونا هل هذا الكلام صحيح؟ قال لهم طبعا وأنا أملك أكثر، ولكنني أريد إبعاد عيون الحساد؟ قالوا له تفضل إذا يرحمك الله فأطلعنا على جرار الذهب ومواقد الفضة وكميات اللؤلؤ والمرجان التي تحتفظ بها في دهاليز بيتك وخفايا منزلك؟ أسقط في يد جحا الكذاب عن الثروة المزعومة، وقال إن هذا يوم عصيب، ولم يختم ذلك النهار وهو ينام في فراشه المريح وأعلامه المرفرفة بل كان نزيل السجون والحبوس والتحقيقات.

وحرامية الإنترنت هي نوادر جحا الكبرى، واليوم مثلا جاءني الخبر أنني فزت بثروة مليون دولار من سحب اليانصيب في هولندا، وأحيانا نصف مليون باوند إنجليزي، ومليون ونصف يورو، بأسماء لا نهاية لها من مصنع سيارات أو موقع الهوت ميل، أو أحيانا من أناس يزعمون أنهم كانوا في مناصب حكومية أو هي بنت وزير سابق وعندها من صرر الدنانير ما لا تأكله النيران والجرذان وتريد أن تفيدني وتحول المال إلى اسمي في المملكة، وهم يقولون فقط أعطنا رقم حسابك لنحول لك المبلغ، وأذكر أنني تورطت مع عصابة منهم فقلت لهم حولوا بدون أن أعطيهم اسم بنكي ورقم حسابي، واتصلوا بي تلفونيا، وقالوا عليك أن تملأ استمارة برسم 400 يورو فقط لتتسلم المبلغ، قلت لهم خذوا خمسة أضعافه من جائزتي وحولوا الباقي فانقشع جمهور الحرامية.

العالم ديجيتال.. واللصوص مدربون يسرقون الكحل من العين، والمغفلون أكثر من رمل الربع الخالي.. فهل من مدكر؟