وصف الكاتب عبدالله الناصر الثقافة في المملكة بـ"الميليشيات" وانتقد مستوى الرواية، معتبرا أن كثيرا من الروايات "(لطش)، وجنس، وخروج عن المألوف. ولفت إلى أن النقد في مجمله إما تخويف وترهيب أو مجاملة ومبالغة سمجة. وقال الناصر في حوار مع "الوطن" إنه طلّق حرف الدال (قاصدا الدكتوراه) بعد أن اكتشف أنه للوجاهة، لافتا إلى أنه كعضو في مجلس الشورى يتحدث بشجاعة إذا اقتضت المصلحة ذلك. هنا نص الحوار:

نشرت مجلة ساينس الأميركية أخيرا تقريرا يتهم جامعات سعودية بدفع مبالغ لرفع تصنيفها الأكاديمي، كيف تنظرون لمثل تلك التقارير، خاصة أنك عملت مستشارا لوزير التعليم العالي قبل تعيينك بمجلس الشورى؟

ليس مهما أن تكتب مجلة ساينس أو غيرها "ذما أو مدحا"، نحن نطارد ما يقال عنا ولا نطارد المعرفة.. نحن نهتم بالتطبيل والتهويل والإسراف في تسخير الإعلام الزائف الزائد عن اللزوم. هذا في تصوري فشل وقلة نباهة. المفترض فينا - قبل ذلك وبعده - أن نفكر كيف نبدع، وكيف نبتكر، كيف نصنع كما يصنع الآخرون، ومن ثم فإن هناك سؤالا ملحا بصرف النظر عن أطنان الورق وملايين الصور التي تنشر وهو: ماذا أنتجنا؟ أين الابتكارات؟ أين البراءات العلمية الحقيقية؟! ما الذي ابتكرناه في مجال الطب؟ ما الذي ابتكرناه في مجال الكيمياء والفيزياء والعلوم الإنسانية، بل وعلوم الفضاء؟ هل ساهمت بحوثنا في علاج بعض مشاكلنا المستعصية؟ هل استطعنا أن نقضي على سوسة النخل مثلا؟ ماذا ابتكرنا في مكافحة التصحر أو تحلية المياه؟ ماذا ابتكرنا في مجال الكشف عن المياه الجوفية؟.. لا شيء... الابتكار العلمي يعلن عن نفسه تلقائيا ولا يحتاج إلى تطبيل. خذ مثلا المبتعثة الدكتورة حياة سندي في جامعة كامبردج، استطاعت أن تلفت نظر مراكز البحوث في العالم بابتكارها حتى استعان بها مركز ناسا الأميركي. وكذلك الدكتورة "الكريع" أحدثت ضجة كبرى في مجال علاج السرطان. الأعمال العظيمة هي التي تعلن عن نفسها ولا تحتاج إلى تهويل وتطبيل. الذين لا يملكون شيئا هم أكثر الناس جعجعة.. والمفترض أن تكون حجتنا علمية فنقول لمجلة "ساينس" هذه هي بضاعتنا فاصمتي.. الجامعات هي مصانع العقول، وهي التي تمون المصانع الآلية بالنظريات والمبتكرات والبراءات العلمية الجديدة.

سأقف احتراما، بل سأقبل رأس كل مدير جامعة يعلن عن اختراع علمي جديد تستفيد منه الجامعات ومراكز البحوث العالمية.. هذه هي المسألة. وأرجو ألا يكون بعض المسؤولين في جامعاتنا ممن ينطبق عليهم قوله تعالى: "وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ".

كيف ترى حال الثقافة في المملكة؟

الثقافة لدينا - في أغلبها - ميليشيات، وقد كتبت عن ذلك منذ عشر سنوات تحت عنوان: "ميليشيات ثقافية".. و قلت إن الثقافة أصبحت أحزابا وفرقا، كفرقة "حسب الله"، وفرقة كشكش بيه، حيث اختلط الحابل بالنابل، والعامي بالفصيح، والجاهل والأمي، ولم يعد هناك فرق بين مهرجانات مزاين الإبل وأشعاره، ومزاين بهرجاتنا الثقافية وأشعارها. من المزري أن هناك من تولى تحديد "الهوية الثقافية"، فأصبحت بعض الجهات هي التي "تمنح" كلمة مثقف فتمن عليه بهذه الهبة، مع أن بعضا من المسؤولين عن ذلك ليس لهم علاقة بالثقافة ولا المثقفين، وهم يخبون في عباءاتهم لا يفرقون بين بحر الخبب وبحر الرمل.. هكذا.. وهذا ما جعلنا، مع أننا نسير فوق أكبر مخزون ثقافي عبر التاريخ، نساهم في زراعة أكبر حقل ينتج الجهل والأمية.

وماذا عن الأندية الأدبية؟

علاقتي بالثقافة في الداخل هي علاقة أشخاص وأصدقاء تجمعني بهم لغة مشتركة وثقافة مشتركة. وعلاقتي بالثقافة والمثقفين في الخارج أقوى وأكثر منها في الداخل، لأنهم في الخارج يبحثون عنك، أما في الداخل فعليك أن تسوق نفسك، وهذا شيء مزر، لا أرتضيه ولا يرتضيه من يؤمن بكبرياء الثقافة.

علا صوت الرواية في السنوات الأخيرة، كيف تنظر لواقع الرواية في المملكة؟

لدينا مواهب روائية ولكننا نستعجل في إنضاجها قبل نضجها! تماما مثل فعلنا بالشعر.. مجدنا شعراء في مراهقتهم الشعرية فشاخوا قبل أن يمروا بالشباب! وأخشى أن نمارس الأسلوب نفسه مع الروائيين. أقول وبكل أسف إن كثيرا من رواياتنا هي (لطش)، وجنس، وخروج عن المألوف. أما النفس الروائي، فلا يزال كصخرة سيزيف تتقطع خلفها الأنفاس. الرواية العظيمة هي ما تكتب بتلقائية عظيمة، هي ما يحرك في الإنسان نوازع الخير والخلق الرفيع. الروائية الإنجليزية "أجاثا كريستي" لها أكثر من 100 رواية، بيع منها قرابة الملياري نسخة، ليس في رواياتها ما يثير الغرائز الجنسية أو تقبيح إنسانية الإنسان.. هكذا يكون العمل الإنساني الخالد، فلا تصدقوا النفاق أو الرياء الثقافي.

وماذا عن النقد؟

النقد لدينا في مجمله إما تخويف وترهيب أو مجاملة ومبالغة سمجة. كان الناقد يطارد المبدع ويتابعه وينحني له، أصبح المبدع هو الذي يبحث عن الناقد ويتواضع له، وهذا يعني أننا وضعنا الخيط مكان الإبرة، والحصان خلف العربة. الناقد الفذ ليس من يتحدث عن المعايير النقدية المستوردة ويقولب الإبداع داخلها. الإبداع متمرد ولا يخضع للقيود والحدود وشد الأصابع.

الناقد الحقيقي هو المكتشف، هو من يفتش وينقب في الحقل الإبداعي، كمن يبحث عن الآثار القديمة والثمينة، والمعادن النفيسة فيخرجها ويصفيها كي يرى الناس بريقها.

عملت فترة ملحقا ثقافيا في لندن، ماذا عن تلك التجربة؟

كانت لندن موئل كثير من المثقفين العرب الذين هربوا من نير حكوماتهم، تعرفت هناك على نزار قباني والطيب صالح وبلند الحيدري وكمال أبوديب وسعدي يوسف وخلدون الشمعة ومحيي الدين اللاذقاني وياسين رفاعية وعبداللطيف أطيمش وسلمي الجيوسي وغيرهم كثير. كانت لندن متخمة بالثقافة والصحافة ووسائل الإعلام، وعندما جاء الدكتور غازي القصيبي أعطى للثقافة، وبالذات السعودية، طعما مختلفا، وكنا في المكتب الثقافي ننظم الندوات والأمسيات الإبداعية، وكان للطلبة المبدعين حضور متميز، وأصدرنا المجلة الثقافية التي أعتز بها.. كانت لندن منارة ثقافية بكل المقاييس.

ظللت ملحقا ثقافيا لأكثر من 25 سنة، وهناك من يستغرب عدم سعيك للحصول على حرف (د)؟

اختلفت مع المشرف الأكاديمي حول "العامية"، فأنا أراها تدميرا للغة، أما هو فيراها تطورا لها! وفي تلك الليلة الباردة وأنا في القطار فكرت وسألت نفسي: هل أبحث عن الدكتوراه للوجاهة أم للمعرفة؟! فقالت نفسي بكل صدق إنها للوجاهة.. فطلقتها من تلك اللحظة غير آسف.

ما رؤيتك لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي؟

أتصور أنه من أعظم الفرص التي أتيحت لشبابنا كي ينهلوا من موارد العلم و المعرفة من مصادرها، لا أحد يختلف في حيوية هذا البرنامج وأهميته، ومردوده الإيجابي على الوطن متى استغل الاستغلال الأمثل.

هل تعتبر عمودك الصحفي متنفسا يعوضك عن المداخلات التي لا تستطيع طرحها تحت قبة مجلس الشورى؟

عمودي يعبر عن شخصيتي ورؤيتي للحياة والكون. وفي مجلس الشورى أتحدث بشجاعة إذا اقتضت المصلحة ذلك.

ما رأيك بقرار انضمام المرأة لمجلس الشورى؟

للمرأة الحق بالمشاركة، فهي صنو الرجل وعونه، وفي تاريخنا الإسلامي مواقف عظيمة لنساء مجيدات. ويكفي أن امرأة في موقعة أحد كانت تدافع عن النبي عليه الصلاة والسلام بسيفها، و"غالية البقمية" صدت إحدى حملات محمد علي قرب الطائف، وسترون المرأة أكثر شجاعة من الرجل في كثير من الأمور.