اتهم الكاتب العزيز صالح الشيحي مثقفي الأحساء بالكسل. وقال بالنص في مقالته المنشورة بتاريخ 16 مايو 2010: "كسل مثقفيها، والغفوة الطويلة التي ينعم بها النادي الأدبي وبقية المؤسسات الثقافية والسياحية والتعليمية، جعل من (الحسا) محافظة كبقية محافظات المملكة".

وأعتقد أن الزميل الشيحي سطَّح الأسباب الحقيقية وراء تنمية الأحساء البطيئة واختزلها في المثقفين والنادي الأدبي والمؤسسات الثقافية والسياحية والتعليمية وتجاهل الأسباب الحقيقية.

لقد وقع الزميل الشيحي في فخ التعميم. ووضع كل مثقفي الأحساء في سلة واحدة بل ووصفهم أجمعين بالكسالى وناديهم بالنائم دون أن يستند إلى دراسة، تعتمد على أرقام ومعلومات وحقائق يستقيها من مصـادر متعددة موثوقة بـل من خلال انطباع شخصي سجله بعد زيارة قصيرة قام بها للمحافظة.

استغربت كغيري كيف يرتكب كاتب بخبرة الزميل صالح هذا الخطأ الجسيم ويُحمّل أدباء الأحساء مسؤولية عدم ازدهارها والحفاظ على مكتسباتها، فكأنه بهذه النظرية يريدنا أن نوجه أصابع الاتهام للروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو إثر انتشار الفقر والفساد الذي يمزق ضواحي ريو دي جانيرو التي نبع منها. ويدفعنا لمحاسبة الأديب القدير طه حسين في قبره لعدم صعود مسقط رأسه محافظة المنيا بالصعيد حتى الآن رغم أنه ابنها. ونلوم الكيميائي اللامع أحمد زويل لعدم نهوضه بدمنهور التي ينحدر منها. ونعاتب الإعلامي والمؤلف الأمريكي الذائع الصيت توم بروكو لأفول نجم مدينته وبستر بساوث داكاوتا.

وبغض النظر عن مدى منطقية ربط التنمية العمرانية والإدارية بالحركة الثقافية من عدمها فإن نعت صالح لمثقفي الأحساء بالكسالى اتهام غير موضوعي كونه لم يقترن بأدلة وإثباتات سيما وأن العديد من علمائها وباحثيها وشعرائها يتدفقون حيوية وعطاء.

فعلى سبيل المثال لا الحصر صدح الشاعر جاسم الصحيح في افتتاح مهرجان الجنادرية الأخير الذي أقيم قبل نحو ثلاثة أشهر بقصيدة على مسامع خادم الحرمين الشريفين وضيوفه الكرام، وقدمها المذيع سليمان العيسى قائلا: "ويأبى الشعر يا سيدي إلا أن يزهو في مناسبة الحب هذه. هذه قصيدة للشاعر القادم من الأحساء المعتق في آبار الزيت والغاز في شركة أرامكو السعودية الأستاذ جاسم الصحيح".

وجاسم إذا لم تعرفه عزيزي صالح من أنشط شعراء الوطن العربي المعاصرين وأكثرهم حصولا على الألقاب. فقد نال جوائز الشعر في نادي أبها الأدبي مرتين، والمدينة مرتين، والشارقة ثلاث مرات على التوالي، وعجمان ثلاث مرات، والمركز الثالث في مسابقة أمير الشعراء. وحاز غيرها من الألقاب وشارك في العديد من المسابقات التي يشدو فيها بقصائد لا تخلو من الأحساء ونخيلها وتمرها وآبارها.

مثقفو الأحساء ليسوا كسالى يا عزيزي صالح، فالدكتور راشد آل مبارك فتح منزله في الرياض على مدى 30 عاما محتضنا الثقافة والمثقفين على اختلاف مشاربهم، وهو بالإضافة إلى تخصصه في الفيزياء والكيمياء، أديب وشاعر، وأسهم بفعالية في إنجاز الموسوعة العربية العالمية، أكبر الموسوعات العلمية في العالم العربي حسب صحيفة الشرق الأوسط في 23 أكتوبر 2008. وابن الأحساء الباحث سامي المغلوث أصدر نحو 11 أطلسا تاريخيا في العقد المنصرم ترجمت إلى أربع لغات حتى الآن وهي الإنجليزية والتركية والفارسية والإندونيسية. ودخل إنتاجه قائمة الكتب الأكثر مبيعا في دار العبيكان للنشر بمبيعات تجاوزت مئة ألف نسخة.

ولم يقتصر هجوم الزميل الشيحي على مثقفي الأحساء بل هاجم ناديهم الأدبي الحديث، الذي تأسس عام 2007، رغم أنه يقوم بفعاليات وأنشطة أسبوعية تستحق المتابعة. وبادر بتأسيس ملتقى جواثى الذي قام بتكريم الرواد والمبدعين. واستضاف شخصيات فكرية وثقافية لافتة من داخل وخارج المملكة وفي مقدمتها المفكر الراحل محمد عابد الجابري الذي حل ضيفا على النادي العام الماضي.

وإذا كان زميلي العزيز يرى أن مثقفي الأحساء قصروا في حقها فأنا أرى العكس تماما، فحضورهم ونجاحهم الأدبي والفكري انعكس إيجابا على مسقط رأسهم الذي بات يتردد مقرونا بأسمائهم في أنحاء المعمورة كلما تم تقديمهم أو سيرهم الذاتية في محفل أو تظاهرة ثقافية أو فكرية، فلا يأتي ذكر الدكتور غازي القصيبي دون الإشارة إلى منبعه الأحساء، ولا يلوح اسم الشاعر محمد العلي دون أن نستحضر جبل القارة بالأحساء.

وفي اعتقادي أن أفضل طريقة تعبر من خلالها عن حبك لمدينتك ووطنك أن تكافح لأن تكون مميزا. هذا التميز سـيجعل الكـثيرين يبحثون عـن جـذورك، ويتعرفون على مسـقط رأسك ويحذون حـذوك، فعندما سئل العالم الألماني تيودور هينش (68 عاما)، الحاصل على نوبل للفـيزياء عـام 2005، عما قـدمه لمدينته التي ولد ونشأ فيها، أجـاب بعد أن انزلق الفـرح من عينيه: "كنت ابنا صالحا وطموحا. عندما أقدم بحثا أو عمـلا جيدا أو حتى ابتسامة يسألني الكثيرون عن مسقط رأسي، فأجيب بزهو أنا من هيدلبرج".

عزيزي صالح، إذا أخلص وأبدع أي أحسائي سواء كان مثقفا أو مهندسا في أي ميدان فهو خدم مدينته ووطنه، فمن الظلم أن تجحف حق أبناء الأحساء وتنسف مجهودهم بجرة قلم متجاهلا الأسباب الرئيسية.

فمنطقك يا زميلي العزيز يقول إن المثقف في الأحساء سبب تردي طريق الأحساء ـ الدمام السريع الذي يحصد آلاف الضحايا إثر تحويلاته وثقوبه وأورامه التي تستفحل كسرطان على امتداده! وإن النادي الأدبي سبب تواضع منفذي الأحساء: البطحاء وسلوى، اللذين يفجران ألم وتهكم القادمين والمغادرين عبرهما! وإن شعراء الأحساء سبب جفاف عيونها وعطش قراها!

المثقفون ليسوا السبب يا صالح، وإلا فلكانت رفحاء أفضل حالا ، لأنك والزميل محمد الرطيان من ثمارها!