بدأ قائد حرس الحدود بنجران اللواء عبدالرحمن بن غرامة الشهري، جولة مديري الإدارات الحكومية والقيادات الأمنية بنجران لمواقع حرس الحدود في المنطقة بمقولة: "ليس من رأى كمن سمع". فهو أراد أن يعطي المسؤولين فكرة عن المراكز والمجمعات الخاصة بحرس الحدود التي قد تفاجئهم بتطورها المهول، وفي نفس الوقت بنقص بعض الخدمات في الأصل تقدمها إدارات هم يرأسونها.

جولة الـ48 ساعة في قلب الرمال والعروق دعيت إليها "الوطن" لتوثق هذه الجولة التي جاءت بتوجيه من أمير منطقة نجران الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، وقطعت فيها مسافة تجاوزت ألف كيلومتر وشملت الشريط الحدودي مع دولتي اليمن وسلطنة عمان، وذلك بهدف رصد حاجات حرس الحدود ومتطلباتهم في مجال الطرق والكهرباء والسفلتة والاتصالات والدفاع المدني والهلال الأحمر وغيرها من الخدمات الأمنية والخدمية، والاطلاع على إنجازاتهم والوقوف ميدانيا على ما يقومون به من دور وجهود في سبيل الذود عن الوطن وردع كل من يحاول المساس بأمنه.

تشريفات

فوجئ المشاركون في المهمة، بدقة تشريفات حرس الحدود والتجهيزات التي يمتلكونها وعجزوا عن الربط بين مهامهم الحدودية التي تتطلب صفات خاصة هم يتمتعون بها وقدرتهم على تسيير المراسيم بعناية. وقال اللواء الشهري في هذا الخصوص: لدينا خبرات في مجال التشريفات فقد تعودنا على استقبال كبار الضيوف واللجان واليوم كان لدينا توجيه واضح من مدير عام حرس الحدود بالمملكة الفريق زميم بن جويبر السواط بجعل المشاركين في المهمة الرسمية يستمتعون بوقتهم أثناءها.

مقر ضيافة حرس الحدود بمركز التدريب بنجران، كان نقطة التجمع الثامنة صباحا. بداية ترحيب من اللواء الشهري بالقيادات الأمنية ومديري الإدارات الحكومية وشكرهم على استجابة الدعوة، كما شكر أمير منطقة نجران الأمير مشعل بن عبدالله على دعمه لتنفيذ الجولة، كما شكر الفريق السواط لمتابعته الجولة وتوفير الخدمات للضيوف ومتابعتهم لحظة بلحظة. وبدد اللواء الشهري مخاوف المشاركين، من موجات غبار تشهدها المنطقة، بقوله إنها في انحسار. ووضعت الحقائب في السيارات المعدة وعددها 12 سيارة خصصت واحدة منها لفريق "الوطن" بمرافقة الناطق الإعلامي النقيب علي بن عبدالله القحطاني وأفراد من الشؤون العامة.

القيادة والسيطرة

قبل الانطلاق، اطلع الجميع في مقر "غرفة القيادة والسيطرة" بمركز تدريب حرس الحدود بنجران، على كيفية تلقي البلاغات على الشريط الحدودي من خلال قطاعات حرس الحدود وكيفية تمريرها للعاملين على الشريط ومتابعة مهامهم وربطها مع غرف القيادات والسيطرة بجميع القطاعات وكيفية سرعة التجاوب مع العاملين بالميدان على مدى الأربع والعشرين ساعة، والجهود الجبارة في سبيل ربط أكثر من مركز ومجمع تقع على امتداد ألف كيلو متر بعضها ببعض.

البداية كانت من قطاع سقام الحيوي الذي يمتد في الجنوب الغربي لنجران وهو الأكثر قربا من الحدود وتشهد أكثر عمليات التهريب. وتحدث القادة الأمنيون ومديرو الإدارات كثيرا عن مشاهداتهم للكمائن وأبراج الحرس في قمم الجبال التي تراقب الحدود مع اليمن وسط صعوبة للتضاريس. وقدّم قائد قطاع سقام العقيد صالح بن عبدالله القحطاني عرضا مرئيا عن دور القطاع في إحباط كثير من المهربات خصوصا الأسلحة والحشيش والسيارات وضبط المتسللين، مفندا الطرق والأساليب التي يتبعها المهربون. وأشار إلى أن رجال حرس الحدود يخضعون باستمرار لدورات مكثفة لتثقيفهم بالوسائل التي تستخدمها عصابات المخدرات والأسلحة في التهريب.

وقال العقيد القحطاني لـ"الوطن" إن أكثر من 8 مراكز تتبع لقطاع سقام وتمتد على الشريط الحدودي مع قطاع خباش، الذي يشهد دخول مهربين بشكل مستمر نظرا إلى قربه من المنطقة وصعوبة التضاريس التي يرتادها المهربون. وأشار إلى أن حاجات القطاع التي قدمت لرؤساء الإدارات، تنحصر بإنارة الطريق وسفلتة بعض الطرق المؤدية لبعض المراكز وتعزيز الاتصالات من خلال الأبراج للجوال وفتح مركز للهلال الأحمر.

خباش وشرورة

أما قطاع خباش الواقع على مسافة 60 كيلومترا جنوبا بامتداد شرق المنطقة، فيتكامل مع قطاعي سقام وشرورة، وتتبع له مجمعات "تنصاب" و"عرق السيول" و"مجمع الحرج"، وهي تضم مراكز كثيرة تغطي نحو 180 كيلومترا. وحقق هذا القطاع إنجازات أبرزها ضبط أكثر من 1220 كيلوجراما من الحشيش وعددا من المتسللين من جنسيات عدة. أما قطاع شرورة فيغطي أكثر من 812 كيلومترا، يمتد معظمها على خطوط ترابية و"عروق" يتقن سائقو حرس الحدود القيادة عليها ولا يسبب لهم الغبار الكثيف أو تسلق القمم الرميلة عائقا أو يحول دون سرعة مركباتهم وكأنها تسير على طرق مسفلتة. ويغطي قطاع شرورة النقطة الحدودية مع اليمن وسلطنة عمان عبر 6 مجمعات و4 مراكز آخرها عند النقطة "د" التي تقع في المثلث السعودي – العماني – اليمني.

وقال قائد القطاع العقيد عبدالله بن علي الزهراني لـ"الوطن" إن قطاعه ضبط 494 كيلوجراما من الحشيش العام الماضي إضافة إلى تعامله مع 21 حادثا، كما ضبط 1771 حبة مخدرة خلال عام 1431، و1356 متسللا خلال عام 1432-1433. وطالب الزهراني بفتح مركز للدفاع المدني على طريق شرورة – الخرخير وتسيير دوريات أمنية عليها، وتزويدهم بأسماء الممنوعين من السفر من خلال جوازات المنطقة. كما طلب نقل مرمى النفايات في الخرخير لقربه من مسار الدوريات لحرس الحدود، وإيصال التيار الكهربائي لمراكز حرس الحدود وتعزيز الاتصالات.

إلى الخرخير

من الوديعة في اتجاه الخرخير، وفي عصر اليوم نفسه وعلى طريق ترابي هو مسار للدوريات، مرورا بكامل مسؤوليات قطاع شرورة شرقا. ولضيق الوقت زادت السرعة فتعطلت سيارة كان يستقلها مدير هيئة الهلال الأحمر بنجران محمد قحاط، ومدير الاتصالات السعودية بنجران جارالله القحطاني، والطريف أن المنطقة معزولة عن خدمة الهاتف الجوال. تجمعت الدوريات الخلفية لحرس الحدود وتعامل العناصر مع الموقف في دقائق.

في مجمع المعاطيف الواقع على 120 كيلومترا في اتجاه الخرخير، كانت عبارة "الحمدلله على سلامتكم" التي استقبل بها قادة وأفراد المجمع، الوفد تدل على المشقة التي يعرفها منسوبو المجمع. الهواتف صامتة بسبب غياب الخدمة كما كانت في معظم فترات الرحلة ولا يوجد سوى هاتف إسقاط يخدم منسوبي المجمع. وتبادل الجميع المزاح بعد عناء الطريق الترابي والعروق التي تحركها الرياح كيفما تشاء لكن كان السائقون مؤهلين تأهيلا كاملا ويتعاملون مع الموقف وعاشوا في تلك الرمال فترة من الزمن. وعلى الرغم من صعوبة الظروف الطبيعية إلا أن الزوار لاحظوا النظافة داخل أروقة المجمع وسلامة مرافقه نتيجة الصيانة الدورية.

تدريبات "أم الملح"

على الطريق أيضا، شاهد الجميع في مجمع "أم الملح" (140 كيلومترا) باتجاه مسارات الدوريات للحرس، عرضا في كيفية تدريب الأفراد على استخدام الأسلحة والرماية. وقام قائد حرس الحدود بنجران اللواء عبدالرحمن الشهري بالإصغاء لحديث الأفراد وطلباتهم في جو أخوي ساده طابع التآلف بينهم، بعيدا عن الرئيس والمرؤوس. وقدم شكره لكافة العاملين من أفراد وضباط على ما يقومون به من جهود في سبيل الذود عن الوطن وحدوده وردع كل من يحاول المساس بأمنه، وطالبهم بمضاعفة الجهد.

بعدها انطلقت رحلة العودة إلى محافظة الخرخير 180 كيلومترا تقريبا من آخر نقطة وتم المرور على مركز الخور وشاهدنا إنشاء مجمع جديد يبنى بطرق صعبة حيث سيخدم مركز حرس الحدود بمهولة ومركز الخور كون المسافة بينهما 30 كيلومترا لجمع العاملين بتلك المراكز في مجمع واحد.

بئر مهولة "ماء في الصحراء"

استغرب الجميع عندما شاهدوا نافورة طبيعية تنبع من قلب الصحراء في مركز مهولة آخر مركز على الحدود، لكن تبين أنها مياه كبريتية غير صالحة للاستهلاك الآدمي أو الزراعة، وقام عدد من وفد قيادات الإدارات الحكومية الزائر بغسل أجسادهم ورؤوسهم منها. وأشار عدد من منسوبي الحرس إلى أن المنطقة توجد بها المياة بكثافة وعلى بعد أمتار بسيطة من الأرض.

لقاء محافظ الخرخير

واصلت الرحلة باتجاه العودة حيث تم الوصول إلى محافظة الخرخير والالتقاء بمحافظ الخرخير خالد بن حمود الشمري الذي رحب بالجميع وتحمد لهم بالسلامة وقدم شكره للجميع على ما تحظى به المحافظة من دعم واهتمام من أمير منطقة نجران الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز والتي تبعد حوالي 850 كيلومترا من منطقة نجران وقدم لهم شرحا عن الخدمات بالمنطقة.

ورصدت "الوطن" عيادات طبية متكاملة بمقر مجمعات حرس الحدود وبها عدد من الأطباء الأجانب يقومون بخدمات طبية وصحية للعاملين بتلك المجمعات والمراكز التابعة لها وتقديم الإسعافات الأولية لهم ووجود سيارات إسعاف وورش للصيانة.

وعود

واصلت الرحلة طريق العودة إلى محافظة شرورة (500 كيلو) عند الساعة الثالثة عصرا حيث كان الوصول الساعة السابعة مساء مرورا بمجمعات حرس الحدود (أم الملح – أم مغارب – المعاطيف) وتم الاستقبال في مقر قيادة قطاع حرس الحدود بمحافظة شرورة، وتناول الجميع طعام العشاء بحضور قادة قطاعات المحافظة. وفي نهاية اللقاء قدم مدير عام الدفاع المدني بنجران اللواء ناصر بن سعيد العسيري كلمة الوفود قدم فيها شكره لكافة قادة حرس الحدود ومنسوبيهم على ما قاموا به من حفاوة واستقبال خلال الجولة. وحول افتتاح مراكز للدفاع المدني أشار إلى أن ذلك يخضع لعدة معايير وهناك خطط مستقبلية وسيكون لقطاع شرورة نصيب منها لخدمة العاملين بحرس الحدود.

كما أعلن مدير الاتصالات السعودية بنجران جارالله القحطاني عن إنشاء برج للجوال بمنفذ الوديعة وسيتم الرفع بعدة طلبات للمسؤولين بالاتصالات السعودية، فيما قال مدير كهرباء نجران المهندس سالم بالحارث إن هناك طلبات ستتم دراستها وتحديد إمكانية إيصال التيار الكهربائي لمجمعات حرس الحدود، حيث إن ذلك تحكمه أمور فنية ومالية وستتم دراسة إمكانية ذلك. وأشار مدير هيئة الهلال الأحمر السعودي بنجران حمد قحاط أن إدارته لديها فروع في شرورة والوديعة وسيكون للخرخير نصيب حسب الخطة المستقبلية وستتم خدمة حرس الحدود عن طريق ذلك. أما وكيل أمانة نجران المهندس علي العطشان فأوضح أن هناك مخططا بأم الملح ويوجد مكتب استشاري يعمل على تخطيط الموقع لخدمة أهالي الخرخير والأمانة وفروعها لا تتوانى عن خدمة حرس الحدود الذين يسهرون على راحة وأمن الوطن.

العودة

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حطت الوفود رحالها بنقطة الانطلاقة بمركز حرس الحدود، وسيتم عمل محضر بجولة الجميع ورفعه لأمير منطقة نجران الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز للاطلاع على نتائج تلك الجولة الحدودية وإلى مدير عام حرس الحدود بالمملكة الفريق زميم السواط، وتمنى قائد حرس الحدود بنجران اللواء عبدالرحمن الشهري أن تستمر مثل تلك الجولات لما لها من فوائد تصب في مصلحة الوطن.


غذاء 5 نجوم في قلب الصحراء


من خلال جولة الوفد على عدد من المراكز والمواقع الحدودية الحساسة القابعة في قلب صحراء الربع الخالي على امتداد الشريط الحدودي لاحظت "الوطن" جودة ما يقدم لرجال حرس الحدود من وجبات غذائية متنوعة وصفها قائد حرس الحدود بالمنطقة اللواء عبدالرحمن الشهري بأنها "خمس نجوم". وقال إن ذلك يأتي انطلاقا من حرص حكومة خادم الحرمين وسمو ولي عهده الأمين على تأمين أفضل المأكولات والمشروبات للرجال البواسل صمام الأمان الأول لحدود المملكة في مختلف المناطق، مؤكدا أن قيادات ومراكز حرس الحدود الممتدة على الشريط الحدودي الطويل بين المملكة واليمن تقدم لهم ثلاث وجبات طازجة يوميا منوعة بين الإفطار والغداء والعشاء، ويقدم فيها أكثر من 75 صنفا من المأكولات والمشروبات وتشرف عليها شركة متعهدة للتغذية تجند كافة طاقاتها بصفة يومية لإعداد وتأمين وتوزيع تلك الوجبات في كافة المواقع.