هاتفني قبل نحو 5 سنوات تقريبا خالد الحارثي من نجران، متأثرا بقصة كتبتها عن زميل تجاوز معاناته النفسية بعد أن غير تخصصه. قال لي خالد أنه يشعر أن معاناة صديقي عبدالرحمن التي كتبت عنها وقتئذ، تشبه معاناته إلى حد كبير وأنه سيقتفي أثره.

فخالد درس الحاسب الآلي في جامعة الملك سعود بالرياض، لكنه لم يشعر لحظة بأن هذا هو التخصص الذي يناسبه، رغم علاقته الجيدة مع الكمبيوتر وتفوقه في المرحلة الثانوية. عندما هاتفني خالد كان قد ترك الجامعة بالفعل، بعد أن أمضى فيها نحو عامين، وهرب إلى سوق العمل، ليدفن آلامه المتمثلة في عدم قدرته على مواصلة دراسته الجامعية في هذا التخصص، رغم الآمال العريضة التي كانت تعقدها عليه أسرته إثر تفوقه الدراسي المبكر. أخبرني خالد من خلال اتصاله أن من كتبت عنه سيعيده إلى مقاعد الدراسة. ودّعني واعتقدت أنه سيكون الاتصال الأول والأخير.

لكن خالد اتصل عليّ مجددا بعد نحو 6 شهور من مكالمته الأولى. زف لي نبأ قبوله انتسابا في جامعة نجران وانتهائه من الفصل الدراسي الأول بمعدل 5 من 5. ووعدني خالد أنه سيتخرج بنفس المعدل رغم زواجه وارتباطاته العملية والأسرية.

صار خالد يتواصل معي نهاية كل فصل. يصافحني بصوته العاطر، ويكرمني بنبأ سعيد يتمثل في نجاحه بتفوق في كل مواد فصله الدراسي المنصرم.

اعتدت على هذا الاتصال الدوري، بيد أن آخر فصل غيّر خالد أسلوبه. لم يتصل علي، بل أرسل إليّ رسالة إلكترونية، ينقل لي فيها نبأ تخرجه بمرتبة الشرف وبمعدل 4.8 من 5، مرفقا معها صورة ضوئية لوثيقة التخرج.

ليس سرا أن خالدا أحد أسباب إقبالي على الكتابة عن قصص النجاح. فالأثر الذي تركه في نفسي كان كبيرا جدا. فما أجمل أن تشعر أن ما تكتبه ينعكس إيجابا على الآخرين. علاقتي مع خالد ألهمتني وجعلتني أكثر توقا للكتابة عن قصص النجاح ما كبر منها وما صغر. جعلني أكثر إيمانا أن النجاح ينتقل بالعدوى أحيانا. فما تسمعه وتقرؤه عن قصص تشبهك قد يلهمك ويحفزك، وأعتقد أن مجتمعاتنا العربية فقيرة جدا في هذا النوع من القصص رغم أثرها وتأثيرها. ثقافتنا الشفهية وتقليلنا من شأن تجاربنا حرم الأجيال من نجاحات عظيمة.

ما زلت أتذكر قبل سنوات في الولايات المتحدة المحاضرة التي ألقاها رجل أعمال شاب على طلاب الجامعة. كانت تتناول تجربته كطالب لم يستطع أن يكمل دراسته الجامعية، لكن نجح في امتلاك أكثر من 3 فنادق في ولاية يوتاه الأميركية.

أهم ما قاله الشاب الأميركي هو أن نقطة التحول في حياته عندما قرأ سيرة (سيزار ريتز) صاحب سلسلة فنادق (الريتز) الشهيرة. فلقد طرد ريتز من عمله في فندق صغير في بلدة (بريج) السويسرية إثرعدم قناعة مدير الفندق بإمكاناته في العمل الفندقي، مما دفعه إلى العمل على إنشاء فندق بديع باسمه أصبح اليوم رمزا للفخامة والرفاهية.

تأثرت كثيرا بالمحاضرة التي ألقاها الشاب الأميركي، وما وصل إليه من نجاح في مجال الأعمال رغم فصله الدرامي من الجامعة. وأدركت أيضا أهمية سرد التجارب وتوثيقها في حياتنا. فكلنا نحتاج إلى قصص نستلهم منها الإرادة، وحكايات نستخلص منها التحفيز للنجاح، فموقف واحد قد يمنحنا الأمل الذي نفتقره.

الفقر ليس في المال فحسب، وإنما في الأمل كذلك. علينا أن نتحرر من ثقافة ادخار قصصنا وتجاربنا ونبدأ في إشاعتها.. إفشائها بسخاء. فكم من شاب وشابة ساعدتهم قصة على تجاوز صعوباتهم وتحدياتهم. رب قصة أشعلت حلما.